كتاب شرح حديث النزول

العرش، بل وفي الأفعال المتعدية مثل الخلق، والإحسان، والعدل وغير ذلك ـ هو ناشئ عن نزاعهم في أصلين:
أحدهما: أن الرب ـ تعالى ـ هل يقوم به فعل من الأفعال؛ فيكون خلقه للسموات والأرض فعلًا فعله غير المخلوق، أو أن فعله هوالمفعول، والخلق هوالمخلوق؟ على قولين معروفين:
والأول: هو المأثور عن السلف، وهو الذي ذكره البخاري في [كتاب خلق أفعال العباد] عن العلماء مطلقًا، ولم يذكر فيه نزاعًا، وكذلك ذكر البغوي وغيره مذهب أهل السنة، وكذلك ذكره أبو علي الثقفي والضُّبَعِي وغيرهما من أصحاب ابن خزيمة في [العقيدة] التي اتفقوا هم وابن خزيمة على أنها مذهب أهل السنة، وكذلك ذكره الكلاباذي في كتاب [التعرف لمذهب التصوف] أنه مذهب الصوفية وهو مذهب الحنفية وهو مشهور عندهم، وبعض المصنفين في [الكلام] كالرازي ونحوه ينصب الخلاف في ذلك معهم، فيظن الظان أن هذا مما انفردوا به، وهو قول السلف قاطبة، وجماهير الطوائف، وهو قول جمهور أصحاب أحمد، متقدميهم كلهم وأكثر المتأخرين منهم، وهو أحد قولي القاضي أبي يعلى. وكذلك هو قول أئمة المالكية والشافعية وأهل الحديث وأكثر أهل الكلام، كالهشامية أوكثير منهم، والكرامية كلهم، وبعض المعتزلة وكثير من أساطين الفلاسفة، متقدميهم ومتأخريهم.
وذهب آخرون من أهل الكلام الجهمية، وأكثر المعتزلة والأشعرية، إلى أن الخلق هو نفس المخلوق، وليس لله عند هؤلاء صنع ولا فعل ولا خلق ولا إبداع إلا المخلوقات أنفسها، وهو قول طائفة من الفلاسفة المتأخرين؛ إذ قالوا بأن الرب مبدع كابن سينا وأمثاله.
والحجة المشهورة لهؤلاء المتكلمين: أنه لو كان خلق المخلوقات بخلق، لكان ذلك الخلق إما قديمًا وإما حادثًا. فإن كان قديمًا لزم قدم كل مخلوق، وهذا مكابرة. وإن كان حادثًا، فإن قام بالرب لزم قيام الحوادث به، وإن لم يقم به كان الخلق قائمًا بغير الخالق، وهذا ممتنع.

الصفحة 152