كتاب شرح حديث النزول

الأصبهاني، وأصحابه، وأهل الحديث، والسلف الذين ذكرهم البخاري وغيره، وقالوا: إذا خلق السموات والأرض بخلق، لم يلزم أن يحتاج ذلك الخلق إلى خلق آخر، ولكن ذلك الخلق يحصل بقدرته ومشيئته، وإن كان ذلك الخلق حادثا.
والدليل على فساد إلزامهم: أن الحادث إما أن يكفي في حصوله القدرة والمشيئة، وإما ألا يكفي. فإن لم يكف ذلك، بطل قولهم: إن المخلوقات تحدث بمجرد القدرة والإرادة بلا خلق، وإذا بطل قولهم، تبين أنه لابد للمخلوق من خالق خلقه، وهو المطلوب. وإن كفي في حصول المخلوق القدرة والمشيئة، جاز حصول هذا الخلق الذي يخلق به المخلوقات بالقدرة والمشيئة، ولم يحتج إلى خلق آخر، فتبين أنه على كل تقدير، لا يلزم أن يقال: خلقت المخلوقات بلا خلق، بل يجوز أن يقال: خلقت بخلق، وهو المطلوب.
وتبين أن النفاةليس لهم قط حجة مبنية على مقدمة إلا وقد نقضوا تلك المقدمة في موضع آخر، فمقدمات حجتهم كلها منتقضة.
وأيضا، فمن المعقول أن المفعول المنفصل الذي يفعله الفاعل لا يكون إلا بفعل يقوم بذاته. وأما نفس فعله القائم بذاته فلا يفتقر إلى فعل آخر، بل يحصل بقدرته ومشيئته؛ ولهذا كان القائلون بهذا يقولون: إن الخلق حادث، ولا يقولون: هو مخلوق، وتنازعوا هل يقال: إنه محدث؟ على قولين.
وكذلك يقولون: إنه يتكلم بمشيئته وقدرته، وكلامه هو حديث، وهو أحسن الحديث، وليس بمخلوق باتفاقهم، ويسمى حديثًا وحادثًا. وهل يسمى محدثًا؟ على قولين لهم. ومن كان من عادته أنه لا يطلق لفظ المحدث إلا على المخلوق المنفصل ـ كما كان هذا الاصطلاح هوالمشهور عند المتناظرين الذين تناظروا في القرآن في محنة الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ وكانوا لايعرفون للمحدث معنى إلا المخلوق المنفصل ـ فعلى هذا الاصطلاح لا يجوز عند أهل السنة أن يقال: القرآن محدث، بل من قال: إنه محدث، فقد قال: إنه مخلوق.

الصفحة 154