كتاب شرح حديث النزول

حادث. وإن قيل: إن السبب التام قديم، لزم من ذلك تأخر المسبب عن سببه التام، وهذا ممتنع.
وهنا للقائلين بأن الخلق غير المخلوق وإن الخلق حادث أربعة أجوبة:
أحدها: قول من يقول: الخلق الحادث لا يفتقر إلى سبب حادث لا إلى خلق ولا إلى غيره، قالوا: أنتم يا معشر المنازعين كلكم يقول: إنه قد يحدث حادث بلا سبب حادث، فإنه من قال: المخلوق غير الخلق، فالمخلوقات كلها حادثة عنده بلا سبب حادث، ومن قال: الخلق قديم، فلا ريب أن القديم لا اختصاص له بوقت معين، فالمخلوق الحادث في وقته المعين له لم يحصل له سبب حادث.
قالوا: وإذا كان هذا لازمًا على كل تقدير، لم يخص بجوابه، بل نقول: المخلوق حدث بالخلق، والخلق حصل بقدرة الله ومشيئته القديمة من غير افتقار إلى سبب آخر، وهذا قول كثير من الطوائف من أهل الحديث والكلام كالكرامية وغيرهم.
الجواب الثاني: قول من يقول من المعتزلة: إن الخلق الحادث قائم بالمخلوق أو قائم لا بمحل، كما يقولون في الإرادة إنها حادثة لا في محل من غير سبب اقتضى حدوثها، بل إحداثها بمجرد القدرة.
الجواب الثالث: جواب معمر وأصحابه الذين يسمون [أهل المعاني] ، فإنهم يقولون بالتسلسل في آن واحد، فيقولون: إن الخلق له خلق وللخلق خلق، وللخلق خلق آخر، وهلم جرًا لا إلى نهاية، وذلك موجود كله في آن واحد، وهذا مشهور عنهم.
والجواب الرابع: قول من يقول: الخلق الحادث يفتقر إلى سبب حادث، وكذلك ذلك السبب، وهلم جرا. وهذا يستلزم دوام نوع ذلك، وهذا غير ممتنع؛ فإن مذهب السلف: أن الله لم يزل متكلمًا إذا شاء، وكلماته لا نهاية لها، وكل كلام مسبوق بكلام قبله لا إلى نهاية محدودة، وهو سبحانه يتكلم بقدرته ومشيئته.

الصفحة 156