كتاب شرح حديث النزول

وكذلك يقولون: الحي لا يكون إلا فعالًا، كما قاله البخاري، وذكره عن نعيم بن حماد، وعثمان بن سعيد، وابن خزيمة وغيرهم، ولا يكون إلا متحركًا، كما قال عثمان ابن سعيد الدارمي وغيره، وكل منهما يذكر أن ذلك مذهب أهل السنة، وهكذا يقول ذلك من أساطين الفلاسفة من ذكر قوله بذلك في غير هذا الموضع من متقدميهم ومتأخريهم.
قالوا: وهذا تسلسل في الآثار والبرهان، إنما دل على امتناع التسلسل في المؤثرين، فإن هذا مما يعلم فساده بصريح المعقول، وهو مما اتفق العقلاء على امتناعه، كما بسط الكلام عليه في موضع آخر.
فأما كونه ـ سبحانه وتعالى ـ يتكلم كلمات لا نهاية لها وهو يتكلم بمشيئته وقدرته، فهذا هو الذي يدل عليه صحيح المنقول وصريح المعقول، وهو مذهب سلف الأمة وأئمتها، والفلاسفة توافق على دوام هذا النوع. وقدماء أساطينهم يوافقون على قيام ذلك بذات الله كما يقوله أئمة المسلمين وسلفهم. والذين قالوا: إن ذلك ممتنع هم أهل الكلام المحدث في الإسلام من الجهمية والمعتزلة، وهم الذين استدلوا على حدوث كل ما تقوم به الحوادث بامتناع حوادث لا أول لها.
ومن هنا يظهر الأصل الثاني ـ الذي تبنى عليه أفعال الرب ـ تعالى ـ اللازمة والمتعدية: وهو أنه ـ سبحانه ـ هل تقوم به الأمورالاختيارية المتعلقة بقدرته ومشيئته أو لا؟
فمذهب السلف وأئمة الحديث وكثير من طوائف الكلام والفلاسفة جواز ذلك. وذهب نفاة الصفات من الجهمية والمعتزلة والفلاسفة، والكلابية من مثبتة الصفات إلى امتناع قيام ذلك به.
أما نفاة الصفات: فإنهم ينفون هذا وغيره، ويقولون: هذا كله أعراض، والأعراض لا تقوم إلا بجسم، والأجسام محدثة، فلو قامت به الصفات، لكان محدثًا.

الصفحة 157