كتاب شرح حديث النزول

أما الكلابية: فإنهم يقولون: نحن نقول: تقوم به الصفات ولا نقول: هي أعراض، فإن العرض لا يبقى زمانين، وصفات الرب ـ تبارك وتعالى ـ عندنا باقية بخلاف الأعراض القائمة بالمخلوقات؛ فإن الأعراض عندنا لا تبقى زمانين.
وأما جمهور العقلاء، فنازعوهم في هذا، وقالوا: بل السواد والبياض الذي كان موجودًا من ساعة هو هذا السواد بعينه، كما قد بسط في غير هذا الموضع؛ إذ المقصود هنا التنبيه على مقالات الطوائف في هذا الأصل.
قالت الكلابية: وأما الحوادث فلو قامت به، للزم ألا يخلو منها، فإن القابل للشيء لا يخلو عنه وعن ضده. وإذا لم يخل منها لزم أن يكون حادثا، فإن هذا هو الدليل على حدوث الأجسام. هذا عمدتهم في هذا الأصل، والذين خالفوهم قد يمنعون المقدمتين كليهما، وقد يمنعون واحدة منهما.
وكثير من أهل الكلام والحديث منعوا الأولى؛ كالهشامية والكرامية، وأبى معاذ وزهير الإبَرِيَّ، وكذلك الرازي، والأمدي، وغيرهما من الأشعرية، منعوا المقدمة الأولى وبينوا فسادها، وأنه لا دليل لمن ادعاها على دعواه. بل قد يكون الشيء قابلًا للشيء وهو خال منه ومن ضده، كما هو الموجود؛ فإن القائلين بهذا الأصل التزموا أن كل جسم له طعم ولون وريح، وغير ذلك من أجناس الأعراض التي تقبلها الأجسام. فقال جمهور العقلاء: هذا مكابرة ظاهرة، ودعوى بلا حجة، وإنما التزمته الكلابية لأجل هذا الأصل.
وأما المقدمة الثانية: وهو منع دوام نوع الحادث، فهذه يمنعها أئمة السنة والحديث، القائلين بأن الله يتكلم بمشيئته وقدرته، وأن كلماته لا نهاية لها، والقائلين بأنه لم يزل فعالًا، كما يقوله البخاري وغيره، والذين يقولون: الحركة من لوازم الحياة فيمتنع وجود حياة بلا حركة أصلًا؛ كما يقول الدارمي وغيره.

الصفحة 158