كتاب شرح حديث النزول

وقد روى الثعلبي في تفسيره بإسناده عن جعفر بن محمد الصادق - رضى الله عنه ـ: أنه سئل عن قوله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} [المؤمنون: 115] لم خلق الله الخلق؟ فقال: لأن الله كان محسنا بما لم يزل فيما لم يزل إلى مالم يزل، فأراد الله أن يفيض إحسانه إلى خلقه، وكان غنيا عنهم، لم يخلقهم لجر منفعة ولا لدفع مضرة، ولكن خلقهم وأحسن إليهم وأرسل إليهم الرسل حتى يفصلوا بين الحق والباطل، فمن أحسن كافأه بالجنة، ومن عصى كافأه بالنار.
وقال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ في قوله تعالى: {وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء: 100] {وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً} [النساء: 17] ونحو ذلك، قال: كان ولم يزل ولا يزال.
ويمنعها ـ أيضا ـ جمهور الفلاسفة، ولكن الجهمية والمعتزلة والكلابية والكرامية يقولون بامتناعها، وهي من الأصول الكبار التي يبتنى عليها الكلام في كلام الله ـ تعالى ـ وفي خلقه.
وهذا القول هو أصل الكلام المحدث في الإسلام الذي ذمه السلف والأئمة؛ فإن أصحاب هذا الكلام في الجهمية والمعتزلة ومن اتبعهم، ظنوا أن معنى كون الله خالقًا لكل شيء ـ كما دل عليه الكتاب والسنة، واتفق عليه أهل الملل من المسلمين واليهود والنصارى وغيرهم ـ أنه ـ سبحانه وتعالى ـ لم يزل معطلًا لا يفعل شيئًا ولا يتكلم بشيء أصلًا، بل هو وحده موجود بلا كلام يقوله، ولا فعل يفعله. ثم إنه أحدث ما أحدث من كلامه ومفعولاته المنفصلة عنه، فأحدث العالم. وظنوا أن ما جاءت به الرسل واتفق عليه أهل الملل ـ من أن كل ما سوى الله مخلوق، والله خالق كل شيء ـ هذا معناه، وأن ضد هذا قول من قال بقدم العالم أو بقدم مادته، فصاروا في كتبهم الكلامية لا يذكرون إلا قولين:
أحدهما: قول المسلمين وغيرهم من أهل الملل: أن العالم محدث، ومعناه عندهم ما تقدم.
والثاني: قول الدهرية الذين يقولون: العالم قديم، وصاروا يحكون في كتب الكلام

الصفحة 159