كتاب شرح حديث النزول

والمقالات: أن مذهب أهل الملل قاطبة من المسلمين واليهود والنصارى وغيرهم أن الله كان فيما لم يزل لا يفعل شيئًا، ولا يتكلم بشيء، ثم إنه أحدث العالم، ومذهب الدهرية: أن العالم قديم.
والمشهور عن القائلين بقدم العالم أنه لا صانع له؛ فينكرون الصانع جل جلاله. وقد ذكر أهل المقالات أن أول من قال من الفلاسفة بقدم العالم [أرسطو] صاحب التعاليم الفلسفية؛ المنطقي والطبيعي والإلهي. وأرسطو وأصحابه القدماء يثبتون في كتبهم العلة الأولى، ويقولون: إن الفلك يتحرك للتشبه بها؛ فهي علة له بهذا الاعتبار، إذ لولا وجود من تشبه به الفلك لم يتحرك، وحركته من لوازم وجوده، فلو بطلت حركته لفسد. ولم يقل أرسطو: إن العلة الأولى أبدعت الأفلاك، ولا قال: هو موجب بذاته، كما يقوله من يقول من متأخري الفلاسفة؛ كابن سينا وأمثاله، ولا قال: إن الفلك قديم وهو ممكن بذاته؛ بل كان عندهم ما عند سائر العقلاء أن الممكن هوالذي يمكن وجوده وعدمه، ولا يكون كذلك إلا ما كان محدثًا، والفلك عندهم ليس بممكن بل هو قديم لم يزل، وحقيقة قولهم إنه واجب لم يزل ولا يزال.
فلهذا لا يوجد في عامة كتب الكلام المتقدمة القول بقدم العالم، إلا عمن ينكر الصانع، فلما أظهر من أظهر من الفلاسفة؛ كابن سينا وأمثاله، أن العالم قديم عن علة موجبة بالذات قديمة، صار هذا قولا آخر للقائلين بقدم العالم، أزالوا به ما كان يظهر من شناعة قولهم من إنكار صانع العالم، وصاروا أيضًا يطلقون ألفاظ المسلمين من أنه مصنوع ومحدث ونحو ذلك، ولكن مرادهم بذلك أنه معلول قديم أزلي، لا يريدون بذلك أن الله أحدث شيئًا بعد أن لم يكن، وإذا قالوا: إن الله خالق كل شيء، فهذا معناه عندهم، فصار المتأخرون من المتكلمين يذكرون هذا القول، والقول المعروف عن أهل الكلام في معنى حدوث

الصفحة 160