كتاب شرح حديث النزول

فإن حقيقة قولهم ـ إن الرب لم يكن قادرًا، ولا كان الكلام والفعل ممكنًا له، ولم يزل كذلك دائما مدة، أو تقدير مدة لا نهاية لها، ثم إنه تكلم وفعل من غير سبب اقتضى ذلك، وجعلوا مفعوله هو فعله، وجعلوا فعله وإرادة فعله قديمة أزلية والمفعول متأخرًا، وجعلوا القادر يرجح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح ـ وكل هذا خلاف المعقول الصريح وخلاف الكتاب والسنة، وأنكروا صفاته ورؤيته، وقالوا: كلامه مخلوق، وهو خلاف دين الإسلام.
والذين اتبعوهم وأثبتوا الصفات قالوا: يريد جميع المرادات بإرادة واحدة، وكل كلام تكلم به أو يتكلم به إنما هو شيء واحد لا يتعدد ولا يتبعض، وإذا رُؤى رُؤى لابمواجهة، ولا بمعاينة، وإنه لم يسمع ولم ير الأشياء حتى وجدت، ثم لما وجدت لم يقم به أمر موجود، بل حاله قبل أن يسمع ويبصر كحاله بعد ذلك، إلى أمثال هذه الأقوال التي تخالف المعقول الصريح والمنقول الصحيح.
ثم لما رأت الفلاسفة أن هذا مبلغ علم هؤلاء، وأن هذا هو الإسلام الذي عليه هؤلاء، وعلموا فساد هذا ـ أظهروا قولهم بقدم العالم، واحتجوا بأن تجدد الفعل بعد أن لم يكن ممتنع، بل لابد لكل متجدد من سبب حادث، وليس هناك سبب، فيكون الفعل دائما، ثم ادعوا دعوى كاذبة لم يحسن أولئك أن يبينوا فسادها وهو: أنه إذا كان دائمًا، لزم قدم الأفلاك والعناصر.
ثم إنهم لما أرادوا تقرير [النبوة] جعلوها فيضًا يفيض على نفس النبي من العقل الفعال أو غيره، من غير أن يكون رب العالمين يعلم له رسولا معينا، ولا يميز بين موسى وعيسى ومحمد ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ ولا يعلم الجزئيات، ولا نزل من عنده ملك، بل جبريل هو خيال يتخيل في نفس النبي أو هو العقل الفعال، وأنكروا أن تكون السموات والأرض خلقت في ستة أيام، وأن السموات تنشق وتنفطر، وغير ذلك مما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم.
وزعموا أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إنما أراد به خطاب الجمهور، مما يخيل إليهم بما ينتفعون

الصفحة 164