كتاب شرح حديث النزول

به من غير أن يكون الأمر في نفسه كذلك، ومن غير أن تكون الرسل بينت الحقائق، وعلمت الناس ما الأمر عليه.
ثم منهم من يفضل الفيلسوف على النبي صلى الله عليه وسلم. وحقيقة قولهم: إن الأنبياء كذبوا لما ادعوه من نفع الناس، وهل كانوا جهالا؟ على قولين لهم. إلى غير ذلك من أنواع الإلحاد والكفر الصريح والكذب البين على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وقد بين في غير هذا الموضع أن هؤلاء أكفر من اليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل، وإن تظاهروا بالإسلام؛ فإنهم يظهرون من مخالفة الإسلام أعظم مما كان يظهره المنافقون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ: المنافقون اليوم شر من المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قيل: ولم ذلك؟ قال: لأنهم كانوا يسرون نفاقهم، وهم اليوم يعلنونه. ولم يكن على عهد حذيفة من وصل إلى هذا النفاق ولا إلى قريب منه؛ فإن هؤلاء إنما ظهروا في الإسلام في أثناء [الدولة العباسية] وآخر [الدولة الأموية] لما عربت الكتب اليونانية ونحوها، وقد بسط الرد عليهم في غير هذا الموضع.
والمقصود هنا: أن هؤلاء المتكلمين الذين زعموا أنهم ردوا عليهم، لم يكن الأمر كما قالوه، بل هم فتحوا لهم دهليز الزندقة؛ ولهذا يوجد كثير ممن دخل في هؤلاء الملاحدة إنما دخل من باب أولئك المتكلمين، كابن عربي وابن سبعين وغيرهما. وإذا قام من يرد على هؤلاء الملاحدة فإنهم يستنصرون ويستعينون بأولئك المتكلمين المبتدعين، ويعينهم أولئك على من ينصر الله ورسوله، فهم جندهم على محاربة الله ورسوله كما قد وجد ذلك عيانًا.
ودعواهم أن هذه طريقة إبراهيم الخليل في قوله: {لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} [الأنعام: 76] كذب ظاهر على إبراهيم؛ فإن الأفول هو التغيب والاحتجاب باتفاق أهل اللغة والتفسير، وهو من الأمور الظاهرة في اللغة، وسواء أريد بالأفول ذهاب ضوء القمر

الصفحة 165