كتاب شرح حديث النزول

حيث قالوا: إن الأفلاك قديمة أزلية وهي مع ذلك ممكنة، وكذلك ما فيها من الكواكب والنيرين. قالوا: فقول إبراهيم: {لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} أي: لا أحب الممكن المعلول وإن كان قديمًا أزليًا. وأين في لفظ الأفول ما يدل على هذا المعنى؟ ولكن هذا شأن المحرفين للكلم عن مواضعه.
وجاء بعدهم من جنس من زاد في التحريف فقال: المراد بـ[الكواكب والشمس والقمر] هوالنفس والعقل الفعال والعقل الأول. وقد ذكر ذلك أبوحامد الغزالي في بعض كتبه، وحكاه عن غيره في بعضها، وقال هؤلاء: الكواكب والشمس والقمر لا يخفي على عاقل أنها ليست رب العالمين، بخلاف النفس والعقل.
ودلالة لفظ الكواكب والشمس والقمر على هذه المعاني لو كانت موجودةمن عجائب تحريفات الملاحدة الباطنية، كما يتأولون العلميات مع العمليات، ويقولون: الصلوات الخمس معرفة أسرارنا، وصيام رمضان كتمان أسرارنا، والحج هو الزيارة لشيوخنا المقدسين. وفتح لهم هذا الباب [الجهمية] و [الرافضة] حيث صار بعضهم يقول: الإمام المبين: علي بن أبي طالب، والشجرة الملعونة في القرآن: بنو أمية، والبقرة المأمور بذبحها: عائشة، واللؤلؤ والمرجان: الحسن والحسين.
وقد شاركهم في نحو هذه التحريفات طائفة من الصوفية وبعض المفسرين، كالذين يقولون: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} [التين: 1-3] ، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ـ رضي الله عنهم ـ وكذلك قوله: {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} أبو بكر {فَآزَرَهُ} عمر {فَاسْتَغْلَظَ} هو عثمان {فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} [الفتح: 29] هو علي، وقول بعض الصوفية: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه: 24] هو القلب {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} [البقرة: 67] هي: النفس. وأمثال هذه التحريفات. لكن منها مايكون معناه صحيحًا، وإن لم يكن هو المراد باللفظ، وهو

الصفحة 168