كتاب شرح حديث النزول

الأكثر في إشارات الصوفية. وبعض ذلك لا يجعل تفسيرًا، بل يجعل من باب الاعتبار والقياس، وهذه طريقة صحيحة علمية، كما في قوله تعالى: {لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 97] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب "، فإذا كان ورقه لا يمسه إلا المطهرون فمعانيه لا يهتدي بها إلا القلوب الطاهرة، وإذا كان الملك لا يدخل بيتًا فيه كلب، فالمعاني التي تحبها الملائكة لا تدخل قلبًا فيه أخلاق الكلاب المذمومة، ولا تنزل الملائكة على هؤلاء، وهذا لبسطه موضع آخر.
والمقصود أن أولئك المبتدعة من أهل الكلام، لما فتحوا باب القياس الفاسد في العقليات، والتأويل الفاسد في السمعيات، صار ذلك دهليزًا للزنادقة الملحدين إلى ما هو أعظم من ذلك من السفسطة في العقليات، والقرمطة في السمعيات، وصار كل من زاد في ذلك شيئًا دعاه إلى ما هو شر منه، حتى انتهي الأمر بالقرامطة إلى إبطال الشرائع المعلومة كلها، كما قال لهم رئيسهم بالشام: قد أسقطنا عنكم العبادات، فلا صوم ولا صلاة ولا حج ولا زكاة.
ولهذا قال من قال من السلف: البدع بريد الكفر، والمعاصي بريد النفاق.
ولما اعتقد أئمة الكلام المبتدع، أن معنى كون الله خالقًا لكل شيء هو ما تقدم: أنه لم يزل غير فاعل لشيء، ولا متكلم بشيء، حتى أحدث العالم، لزمهم أن يقولوا: إن القرآن أو غيره من كلام الله مخلوق منفصل بائن عنه. فإنه لو كان له كلام قديم، أو كلام غير مخلوق، لزم قدم العالم على الأصل الذي أصلوه؛ لأن الكلام قد عرف العقلاء أنه إنما يكون بقدرة المتكلم ومشيئته.
وأما كلام يقوم بذات المتكلم بلا قدرة ولا مشيئة، فهذا لم يكن يتصوره أحد من العقلاء، ولا نعرف أن أحدًا قاله، بل ولا يخطر ببال جماهير الناس، حتى أحدث القول به ابن كلاب.

الصفحة 169