كتاب شرح حديث النزول

به في كلام الفلاسفة قدح به، فإن من شأنه البحث المطلق بحسب ما يظهر له. فهو يقدح في كلام هؤلاء بما يظهر له أنه قادح فيه من كلام هؤلاء، وكذلك يصنع بالآخرين. ومن الناس من يسىء به الظن، وهو أنه يتعمد الكلام الباطل، وليس كذلك، بل تكلم بحسب مبلغه من العلم والنظر والبحث في كل مقام بما يظهر له، وهو متناقض في عامة ما يقوله؛ يقرر هنا شيئًا ثم ينقضه في موضع آخر؛ لأن المواد العقلية التي كان ينظر فيها من كلام أهل الكلام المبتدع المذموم عند السلف، ومن كلام الفلاسفة الخارجين عن الملة، يشتمل على كلام باطل ـ كلام هؤلاء وكلام هؤلاء ـ فيقرر كلام طائفة بما يقرر به ثم ينقضه في موضع آخر بما ينقض به.
ولهذا اعترف في آخر عمره فقال: لقد تأملت الطرق الكُلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلًا، ولا تروي غليلًا [الغليل: شدة العطش وحرارته] ، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، اقرأ في الإثبات: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10] ، واقرأ في النفي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110] ، ومن جَرَّب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي.
والآمدي تغلب عليه الحيرة والوقف في عامة الأصول الكبار، حتى إنه أورد على نفسه سؤالًا في تسلسل العلل، وزعم أنه لا يعرف عنه جوابًا، وبنى إثبات الصانع على ذلك، فلا يقرر في كتبه لا إثبات الصانع ولاحدوث العالم، ولا وحدانية الله، ولا النبوات، ولا شيئًا من الأصول التي يحتاح إلى معرفتها.
والرازي ـ وإن كان يقرر بعض ذلك ـ فالغالب على ما يقرره أنه ينقضه في موضع آخر، لكن هو أحرص على تقرير الأصول التي يحتاج إلى معرفتها من الآمدي. ولو جمع ما تبرهن في العقل الصريح من كلام هؤلاء وهؤلاء لوجد جميعه موافقًا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ووجد صريح المعقول مطابقًا لصحيح المنقول.
لكن لم يعرف هؤلاء حقيقة ما جاء

الصفحة 176