كتاب شرح حديث النزول

قال الجوهري: سكت الغضب مثل سكن، فالسكون أخص، فكلساكت ساكن، وليس كل ساكن ساكتًا، وإذا وصف بالسكون دل على أنه كان متحركا، وهذا وصف للأعراض النفسانية بالحركة والسكون.
والأشعري قد استدل على أن الحركة وأنواعها لا تختص بالأجسام بما وجد من استعمالهم ذلك في الأعراض، قال: فإنهم يقولون: جاءت الحمى، وجاء البرد، وجاءت العافية، وجاء الشتاء، وجاء الحر. ونحو ذلك مما يوصف بالمجيء والإتيان من الأعراض. ومجيء هذه الأعراض هو حدوث وتغير وتحول من حال إلى حال.
فإن قيل: ما وصف بالحركة والسكون من هذه الأعراض فإنما هو لتحرك المحل الحامل لذلك العرض ـ وإلا فالعرض لا يقوم بنفسه، ولا يفارق محله، فإن الحمى والحر والبرد يقوم بالهواء الذي يحمل الحر والبرد. وكذلك الغضب هوغليان دم القلب لطلب الانتقام، وهذا حركة الدم؛ فإذا سكن غليان الدم سكن الغضب.
قيل: ليس الأمر كذلك، بل هذا يستعمل فيما يحدث من الأعراض في المحل شيئًا فشيئًا، وإن لم يكن هناك جسم ينتقل معه، كما تقدم من الحركة في الكيفيات والصفات؛ فإن الماء إذا سخن حدثت فيه الحرارة، وسخن الوعاء الذي فيه الماء من غير انتقال جسم حار إليه، وإذا وضع الماء المسخن في المكان البارد، برد من غير انتقال جسم بارد إليه. وكذلك الحمى ـ حرارة أو برودة ـ تقوم بالبدن من غير أن ينتقل إلى كل جزء من البدن جسم حار أو بارد. والغضب ـ وإن كان بعض الناس يقول: إنه غليان دم القلب ـ فهو صفة تقوم بنفس الغضبان غير غليان دم القلب؛ وإنما ذلك أثره، فإن حرارة الغضب تسخن الدم حتى يغلي. فإن مبدأ الغضب من النفس، هي التي تتصف به أولًا، ثم يسرى ذلك إلى الجسم، وكذلك الحزن والفرح وسائر الأحوال النفسانية. والحزن يوجب دخول الدم؛ ولهذا يصفر لون الحزين، وهو من الأحوال النفسانية، لكن الحزين يستشعر العجز عن دفع المكروه الذي أصابه وييأس من ذلك

الصفحة 181