كتاب شرح حديث النزول

"الكذب ريبة، والصدق طمأنينة " فجعل الطمأنينة ضد الريبة وكذلك اليقين ضد الريب. واليقين يتضمن معنى الطمأنينة والسكون، ومنه: ماء يقن، وكذلك يقال: انزعج. وأزعجه فانزعج أي: أقلقه، ويقال ذلك لمن قلقت نفسه، ولمن قلق بنفسه وبدنه حتى فارق مكانه، وكذلك يقال: قلقت نفسه، واضطربت نفسه، ونحو ذلك من أنواع الحركة. ويسمى ما يألفه جنس الإنسان ويحبه سكنًا؛ لأنه يسكن إليه. ويقال: فلان يسكن إلى فلان ويطمئن إليه، ويقال: القلب يسكن إلى فلان، ويطمئن إليه، إذا كان مأمونًا معروفًا بالصدق؛ فإن الصدق يورث الطمأنينة والسكون.
وقد سميت الزوجة سكنا، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 12] ، وقال: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف: 189] ، فيسكن الرجل إلى المرأة بقلبه وبدنه جميعًا.
وقد يكون بدن الشخص ساكنًا ونفسه متحركة حركة قوية، وبالعكس قد يسكن قلبه، وبدنه متحرك. والمحب للشيء المشتاق إليه يوصف بأنه متحرك إليه؛ ولهذا يقال: العشق حركة نفس فارغة. فالقلوب تتحرك إلى الله ـ تعالى ـ بالمحبة والإنابة والتوجه، وغير ذلك من أعمال القلوب، وإن كان البدن لا يتحرك إلى فوق، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ". ومع هذا فبدنه أسفل ما يكون.
فينبغي أن يعرف أن الحركة جنس تحته أنواع مختلفة باختلاف الموصوفات بذلك. وما يوصف به نفس الإنسان من إرادة ومحبة وكراهية وميل ونحو ذلك، كلها فيها تحول النفس من حال إلى حال وعمل للنفس، وذلك حركة لها بحسبها؛ ولهذا يعبر عن هذه المعاني بألفاظ الحركة، فيقال: فلان يهفو إلى فلان كما قيل:

الصفحة 183