كتاب شرح حديث النزول

يهفو إلى البان من قلبي نوازعه ... وما بي البان بل من دارة البان
وهذا اللفظ يستعمل في حركة الشيء الخفيف بسرعة، كما يقال: هفا الطائر بجناحه، أي: خفق وطار، وهفا الشيء في الهواء، إذا ذهب كالصوفة ونحوها، ومر الظبي يهفو، أي: يطفو، ومنه قيل للزلة: هفوة، كما سميت زلة، والزلة حركة خفيفة، وكذلك الهفوة. وكذلك يسمى المحب المشتاق الذي صار حبه أقوى من العلاقة [صبًا] وحاله صبابة، وهو رقة الشوق وحرارته، والصَبُّ المحب المشتاق؛ وذلك لانصباب قلبه إلى المحبوب كما ينصب الماء الجاري، والماء ينصب من الجبل، أي: ينحدر. فلما كان في انحداره يتحرك حركة لا يرده شيء سميت حركة الصب [صبابة] ، وهذا يستعمل في المحبة المحمودة والمذمومة.
ومنه الحديث: إن أبا عبيدة ـ رضي الله عنه ـ لما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم في سرية بكى صبابة وشوقًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. والصبابة والصَبُّ متفقان في الاشتقاق الأكبر. والعرب تعاقب بين الحرف المعتل والحرف المضعف كما يقولون: تقضى البازي وتقضض، وصبا يصبو: معناه: مال، وسمي الصبِي صَبِيًّا؛ لسرعة ميله. قال الجوهري: والصبي ـ أيضًا ـ من الشوق، يقال منه: تصابي، وصبا يصبو صبوة وصبوًا، أي: مال إلى الجهل والفتوة، وأصبته الجارية. وقد يستعمل هذا في الميل المحمود على قراءة من قرأ: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابين} بلا همزة في قراءة نافع، فإنه لا يهمز {الصابئين} في جميع القرآن. وبعضهم قد حمده الله ـ تعالى ـ وكذلك يقال: حن إليه حنينًا، ومنه: حنه في الاشتقاق الأكبر يحنو عليه حنوًا. قال الجوهري: حنوت عليه عطفت عليه، ويحني عليه، أي: يعطف، مثل تحنن، كما قال الشاعر:
تحنى عليك النفس من لاعج الهوى ... فكيف تحنيها وأنت تهينها؟
وقال: الحنين: الشوق وتوقان النفس، ويقال: حن إليه يحن حنينًا، فهو حان

الصفحة 184