كتاب شرح حديث النزول

به أن الله ليس كمثله شيء في جميع ما يصف به نفسه. فمن وصفه بمثل صفات المخلوقين في شيء من الأشياء فهو مخطئ قطعًا، كمن قال: إنه ينزل فيتحرك وينتقل، كما ينزل الإنسان من السطح إلى أسفل الدار، كقول من يقول: إنه يخلو منه العرش، فيكون نزوله تفريغًا لمكان وشغلا لآخر، فهذا باطل يجب تنزيه الرب، عنه كما تقدم.
وهذا هو الذي تقوم على نفيه وتنزيه الرب عنه الأدلة الشرعية والعقلية؛ فإن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أخبر أنه الأعلى، وقال: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] . فإن كان لفظ العلو لا يقتضي علو ذاته فوق العرش، لم يلزم أن يكون على العرش.
وحينئذ، فلفظ النزول ـ ونحوه ـ يتأول قطعًا، إذ ليس هناك شيء يتصور منه النزول. وإن كان لفظ العلو يقتضي علو ذاته فوق العرش، فهو ـ سبحانه ـ الأعلى من كل شيء، كما أنه أكبر من كل شيء. فلو صار تحت شيء من العالم لكان بعض مخلوقاته أعلى منه، ولم يكن هو الأعلى، وهذا خلاف ما وصف به نفسه.
وأيضًا، فقد أخبر أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام، ثم استوى على العرش، فإن لم يكن استواؤه على العرش يتضمن أنه فوق العرش، لم يكن الاستواء معلومًا، وجاز حينئذ ألا يكون فوق العرش شيء؛ فيلزم تأويل النزول وغيره.
وإن كان يتضمن أنه فوق العرش فيلزم استواؤه على العرش، وقد أخبر أنه استوى عليه لما خلق السموات والأرض في ستة أيام، وأخبر بذلك عند إنزال القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بألوف من السنين، ودل كلامه على أنه عند نزول القرآن مستو على عرشه، فإنه قال: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد: 4] .
وفي حديث الأوعال [جمع الوَعْل، وهو تَيْس الجبل]ـ الذي رواه أهل السنن كأبي داود والترمذي وغيرهما ـ: لما مرت سحابة قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أتدرون ما هذا؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: " السحاب "، قالوا: السحاب، قال: " والمزن "، قالوا: والمزن، وذكر السموات وعددها، وكم بين كل

الصفحة 189