كتاب الدر الثمين في معالم دار الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم

141
وعمر رضي الله عنهما يطلب ما نابهم من ديات لزمت المسلمين لأن صحيفة عهدهم معه صلى الله عليه وسلم تنص على ذلك، فقال بعض يهود: هذا محمد عندنا وليس معه إلا اثنان فلنطلع أحدنا على السطح ويلقي عليه صخرة تقتله فتريحنا منه. فقال ابن مشكم: ويحكم إن ربه يخبره بما فعلتم، فقالوا: أنى له ذلك وقد حضر بين أربعة جدر؟ فلما طلع غادرهم (وكل يهود غدر) جاءه جبريل عليه السلام وأخبره بما تريد يهود فأمر العمرين بالبقاء ولم يخبرهم بشيء ثم خرج إلى المدينة واستذمر خيل الله وخرج بجيشه المظفر إلى بني النضير، فلما استبطأه العمران رضي الله عنهما خرجا يطلبانه وقد ظنا أنه خرج لقضاء الحاجة وخافا عليه من غدر يهود فلقيهما أحد الأنصار فقال: أبو بكر وعمر ماذا تريدان هنا؟ فقال: نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج من عندنا فخفنا عليه من يهود.
فقال لهما هيهات، إن ذلك الغبار الذي ترون غبار خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم غازياً يهود بني النضير هؤلاء وقد أمره الله بذلك، فأسرع العمران والتحقا بالجيش وحاصر النبي صلى الله عليه وسلم يهود بني النضير وضرب قبته في مكان مسجد الفضيخ ست ليالٍ، وفي أثناء هذا الحصار نزلت المرحلة الأخيرة من تحريم الخمر، لأنه حرم أولاً في الأوقات القريبة من الصلاة، ثم حرم نهائياً في هذه المرحلة الأخيرة بقول الله تعالى: (يأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) (1).
__________
(1) سورة المائدة، الآية 90.

الصفحة 141