كتاب الدر الثمين في معالم دار الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم

142
فلما نادى منادي المصطفى صلى الله عليه وسلم بتحريم الخمر كان مع الصحابة منه القرب والمزادات فحلوا أوكيتها وأهرقوا ما فيها حتى فضخ الوادي أي سال بالخمر فسمي المكان بالفضيخ وسمي المسجد الذي بني فيه بمسجد الفضيخ، وألقى الله الرعب في قلوب بني النضير وجعلوا يخربون بيوتهم بأيديهم ليخرجوا منها هاربين من ظهور بيوتهم ولكي يفسدوا ما فيها من نجارة خشبية جديدة، وصار المسلمون يخربون عليهم البيوت ليدخلوا عليهم كما قال تعالى: (وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار)، وصاروا يدخلون تحت النخيل يتحصنون به لعلمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقطع النخيل، ولكن الله سبحانه أذن له وللمسلمين بقطع النخيل على رؤوسهم ليخرجوا من تحته وليكون ذلك نكاية لهم فلما صاحوا: يا محمد إنك تنهى عن الفساد فما بالك تأمر بقطع الأشجار (1)؟ فأنزل الله تعالى: (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله ويخرزي الفاسقين) (2) وقال في ذلك أحد شعراء المسلمين:
كفرتم بالقرآن وقد أوتيتم بتصديق ما قال البشير
فهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير
وبعد هزيمة يهود بني النضير رحمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلاهم عن المدينة إلى خيبر ولم يقتلهم كما قتل بني قريظة فيما بعد، ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بهم: سماحة
__________
(1) سورة الحشر، الآية 5.
(2) ابن كثير، ج4، ص 354.

الصفحة 142