كتاب الدر الثمين في معالم دار الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم
34…
وخير المختار في البقاء في هذه الدار وفي اللقاء
لربه فاختار أن يلقاه صلى عليه الله ما أرقاه
ولم يرض صلى الله عليه وسلم وضع أقل زينة في بيوته، ولهذا لما عاد النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة دومة الجندل وجد أم المؤمنين (أم سلمة) رضي الله عنها بنت حجرتها - ولا أقول قصرها - باللبن وطينت سقفها بالطين لأنه كان يخر بالماء إذا نزل المطر، فلما رأي النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قال لأم سلمة لم فعلت هذا؟ فقالت: يا رسول الله أردت أن أكف أبصار الناس فقال لبها: (يام أم سلمة إن شر ما ذهب فيه مال المسلم البنيان).
وهذا لا يعني يحرم علىالإنسان أن يتخذ لنفسه داراً لسكناه أو داراً يكتسب بكرائها فالكسب بالتجارة والإجارة حلال لأمته صلى الله عليه وسلم وإنما المراد تقبيح التطاول في البنيان والتفاخر بزخرفتها وتجميد الأموال في الحجر والطين حتى لا يستفيد منها قريب أو بعيد، وحتى تقام بهذه الأموال المشاريع الحية التي تفيد الأمة وتساعد في الرخاء.
وقد بنى النبي صلى الله عليه وسلم مسجده الشريف بالجريد والطين كما بنى حجراته الشريفة بنفس الشيء وترك الكثير مساحة من المسجد رحبة غير مسقوفة، وكان ارتفاع مسجده الشريف في بنائه الأول خمسة أذرع وبعد فتح خيبر بناه ووسعه وجعل ارتفاعه سبعة أذرع كما تقدم.
فهل عرف هذا أهل زماننا الذين تطاولوا في البنيان وتفاخروا في ناطحات السحاب.
وهل عرفوا أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان إذا مد يده مس سقف حجرة النبي صلى الله عليه وسلم وكان من أقصر الصحابة رضي الله عنهم، ومتاع الدنيا زائل.
…