كتاب الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى

فجميع الأقوال تدخل في هذا التعريف؛ لأن الحكمة مأخوذة من الحكم وفصل القضاء الذي هو بمعنى الفصل بين الحق والباطل، يقال: إن فلاناً لحكيم بيِّن الحكمة، يعني: أنه لبين الِإصابة في القول والفعل، فجميع التعاريف داخلة في هذا القول، لأن الِإصابة في الأمور إنما تكون عن فهم بها، وعلم، ومعرفة، والمصيب عن فهمِ منه بموِاضع الصواب يكون في جميع أموره: فهمًا، خاشيًا لله، فقيهًا عالما، عاملا بعلمه، ورعًا في دينه. . . والحكمة أعم من النبوة، والنبوة بعض معانيها وأعلى أقسامها؛ لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مسددون، مفهمون، وموفقون لِإصابة الصواب في الأقوال، والأفعال، والاعتقادات، وفي جميع الأمور (¬1).
والحكمة في كتاب الله نوعان (¬2) مفردة، ومقرونة بالكتاب.
فالمفردة كقوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] (¬3). وقوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269] (¬4). وقوله سبحانه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [لقمان: 12] (¬5).
وهذه الحكمة فسرت بما تقدم من أقوال العلماء في تعريف الحكمة، وهذا النوع كثير في كتاب الله تعالى.
¬_________
(¬1) انظر: تفسير الطبري 1/ 436، 3/ 61.
(¬2) انظر: مدارج السالكين، لابن القيم 2/ 478، والتفسير القيم لابن القيم، ص227.
(¬3) سورة النحل، الآية 125.
(¬4) سورة البقرة، الآية 269.
(¬5) سورة لقمان، الآية 12.

الصفحة 28