كتاب الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى

الدرجة الثالثة: البصيرة، وهي قوة الإدراك والفطنة والعلم والخبرة (¬1).
والبصيرة هي أعلى درجات العلم التي تكون نسبة العلوم فيها إلى القلب كنسبة المرئي إلى البصر، وهذه الخصيصة التي اختص بها الصحابة عن سائر الأمة ثم المخلصين من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وهي أعلى درجات العلماء (¬2) قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108] (¬3) فقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم، أن يخبر الناس أن هذه طريقته ومسلكه وسنته وهي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يدعو إلى الله على بصيرة من ذلك، ويقين، وبرهان، وعلم، وكل من اتبعه يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، على بصيرة ويقين، وبرهان عقلي وشرعي (¬4) والبصيرة في الدعوة إلى الله في ثلاثة أمور:
الأمر الأول: أن يدعو الداعية على بصيرة فيما يدعو إليه بأن يكون عالمًا بالحكم الشرعي فيما يدعو إليه؛ لأنه قد يدعو إلى شيء يظنه واجبًا وهو في شرع الله غير واجب فيلزم عباد الله بما لم يلزمهم الله به، وقد يدعو إلى ترك شيء يظنه محرمًا وهو في دين الله غير محرم، فيحرم على عباد الله ما أحله الله لهم.
الأمر الثاني: أن يكون على بصيرة في حال المدعو، فلا بد من معرفة حال المدعو: الدينية، والاجتماعية، والاعتقادية، والنفسية، والعلمية، والاقتصادية حتى يقدم له ما يناسبه.
¬_________
(¬1) المعجم الوسيط، مادة: بصر 1/ 59.
(¬2) انظر: مدارج السالكين 2/ 482.
(¬3) سورة يوسف، الآية 108.
(¬4) انظر: تفسير ابن كثير 2/ 496، وتفسير السعدي 4/ 63.

الصفحة 38