كتاب الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى

قال الله - تعالى - للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم تربية له وتعليماً: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ - إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ - فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ - ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 16 - 19] (¬1).
فأمر سبحانه نبيه بعدم العجلة ومسابقة الملَك في قراءته، وتكفل الله له أن يجمعه في صدره، وأن ييسره لأدائه على الوجه الذي ألقاه إليه، وأن يبينه له ويفسره (¬2).
وقال تعالى: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114] (¬3).
وأمر سبحانه عباده المؤمنين والدعاة إلى الله - تعالى - بالتأني في الأمور والتثبت فيها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6] (¬4) قرأ الجمهور: {فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] من التَبين، وهو التَأمل، وقرأ حمزة والكسائي: (فتَثبّتُوا)، والمراد من التبين التعرف والتفحص، ومن التثبت: الأناة وعدم العجلة، والتبصر في الأمر الواقع والخبر الوارد حتى يتضح ويظهرْ (¬5).
والدعاة إلى الله أولى بامتثال أمر الله - تعالى - بالتأني والتثبت من الأقوال والأفعال، والاستيثاق من مصدرها قبل الحكم عليها أو لها، وعليهم أن يتدبروا الأمور على مهلٍ، غير متعجلين؛ لتظهر لهم جلية واضحة، لا غموض فيها ولا التباس (¬6).
¬_________
(¬1) سورة القيامة، الآيات 16 - 19.
(¬2) انظر: تفسير ابن كثير 4/ 450.
(¬3) سورة طه، الآية 114.
(¬4) سورة الحجرات، الآية 6.
(¬5) انظر: فتح القدير، للإمام الشوكاني 4/ 60.
(¬6) انظر: في ظلال القرآن 6/ 3334، وموسوعة أخلاق القرآن للشرباصي 3/ 15.

الصفحة 70