كتاب الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى

وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يعلم ويربي أصحابه على الأناة والتثبت في دعوتهم إلى الله - تعالى - ومن ذلك أنه كان يأمر أمير سريته أن يدعو عدوه قبل القتال إلى إحدى ثلاث خصال:
(أ) الإسلام والهجرة، أو إلى الإسلام دون الهجرة، ويكونون كأعراب المسلمين.
(ب) فإن أبوا الإسلام دعاهم إلى بذل الجزية.
(ج) فإن امتنعوا عن ذلك كله استعان بالله وقاتلهم (¬1).
ومن تربيته لأصحابه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم على الأناة وعدم العجلة قوله: «إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تَسْعون، وأتوها تمشون، وعليكم السكينة فما أدركْتُمْ فصلّوا، وما فاتكم فأتموا» (¬2).
وقوله: «إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني قد خرجت» (¬3).
ولسُمُوِّ الأناة أحبها الله عز وجل، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم للأشج: «إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة» (¬4).
والرسل عليهم الصلاة والسلام هم صفوة الخلق وقدوتهم، وهم أكمل الناس أناةً وحلمًا، وأعظمهم في ذلك وأوفرهم حظّا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم.
ومن أمثلة ذلك قصة سليمان مع الهدهد وتثبته وعدم عجلته، قال سبحانه عن ذلك: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ - لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [النمل: 20 - 21] (¬5).
¬_________
(¬1) أخرج الحديث مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها 3/ 1357، وانظر: زاد المعاد لابن القيم 3/ 100.
(¬2) البخاري مع الفتح؛ كتاب الجمعة، باب المشي إلى الجمعة: وقوله: فاسعوا إلى ذكر الله 2/ 390، ومسلم في المساجد، باب استحباب إتيان الصلاة بسكينة ووقار والنهى عن إتيانها سعيا 1/ 420.
(¬3) مسلم، في كتاب المساجد، باب متى يقوم الناس للصلاة 1/ 422.
(¬4) مسلم، في الإيمان، باب الأمر بالإيمان بالله - تعالى - ورسوله وشرائع الدين والدعاء إليه، 1/ 48.
(¬5) سورة النمل، الآيتان 20، 21.

الصفحة 74