كتاب المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز (اسم الجزء: 1)

بن عفان دعا أبي بن كعب بن ثابت وسعيد بن العاص فقال لأبي: إنك كنت أعلم الناس بما أنزل على [22 ظ] النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كنت تقرئ في زمانه، وكان عمر بن الخطاب يأمر الناس بك، فأمل على هؤلاء القرآن في المصاحف، فإني أرى الناس قد اختلفوا، قال: فكان أبي يملي عليهم القرآن، وزيد بن ثابت وسعيد بن العاص ينسخان.
قال القاضي: وقد وردت الرواية أن عثمان لما أراد أن يجمع المصحف خطب فقال: أعزم على كل رجل منكم كان معه من كتاب الله عز وجل، شيء لما جاء به، قال: فكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن، حتى جمع من ذلك شيئا كثيرا، ثم دخل فدعاهم رجلا رجلا يناشده: أسمعته من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو أمله عليك؟ فيقول: نعم، فلما فرغ من ذلك قال: من أكتب الناس؟ قالوا: كاتب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيد بن ثابت، قال: فأي الناس أعرب؟ قالوا: سعيد بن العاص، قال عثمان: فليمل سعيد وليكتب زيد، فكتب مصاحف فرقها في الناس.
قال القاضي: فهذا الخبر يقضي بأن سعيدًا قد كان ممن يملي المصحف، ولا يمتنع أن يمله سعيد ويمله أيضا أبي، فيحتاج إلى أبي لحفظه وإحاطته علما بوجوه القراءات المنزلة التي يجب إثبات جميعها، وأن لا يطرح شيء منها، ويجب نصب سعيد بن العاص لموضع فصاحته وعلمه بوجوه الإعراب وكونه أعربهم لسانا، قال: وقد قيل: إن سعيدًا كان أفصح الناس وأشبههم لهجة برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليس يجب أن [23 و] تتعارض هذه الأخبار؛ لأنه قد ذكر في كل واحد منها ممل غير الذي ذكر في غيره؛ لأنه لا يمتنع أن ينصب لإملائه قوم فصحاء، حفاظ يتظاهرون على ذلك، ويذكر بعضهم بعضا، ويستدرك بعضهم ما لعله يسهو عنه غيره. وهذا من أحوط الأمور وأحزمها في هذا الباب.

الصفحة 65