كتاب ثلاث تراجم نفيسة للأئمة الأعلام

وبكثير من النَّازِلَة وَلَو كَانَ لي رَأْي للزمته أَضْعَاف مَا جالسته سَمِعت بقرَاءَته شَيْئا وافرا وَأخذت عَنهُ هَذَا الشَّأْن بحسبي لَا بِحَسبِهِ وَلنْ يخلفه الزَّمَان أبدا فِي مَعْرفَته مَعَ أَن عِنْد غَيره فِي معرفَة الرِّجَال والأمراء وَالْخُلَفَاء وَالنّسب مَا لَيْسَ عِنْده فَإِنَّهُ إِنَّمَا يعتني بالرواة الَّذين يجيئون فِي سماعاته ويجيد الْكَلَام فِي طبقاتهم وقوتهم ولينهم وَهَذَا الشَّأْن بَحر لَا سَاحل لَهُ وَإِنَّمَا المحثون بَين مستكثر مِنْهُ ومستقل وَكَانَ شَيخنَا لَا يكَاد يعرف قدره الطَّالِب إِلَّا بِكَثْرَة مُجَالَسَته أَو ينظر فِي تهذيبه لقلَّة كَلَامه وَكَانَ مَعَ حسن خطه ذَا إتقان قل أَن يُوجد لَهُ غلطة أَو تُوجد عَلَيْهِ لحنة بل ذَلِك مَعْدُوم وَكَانَ ذَا ديانَة وتصون وطهارة من الصغر وسلامة بَاطِن وَعدم دهاء وانزواء عَن الْعقل الْعرفِيّ المعيشي وَكَانَ يحكم ترقيق الْأَجْزَاء وترميمها وينقل عَلَيْهَا كثيرا إِلَى الْغَايَة ويفيد الطّلبَة وَيحسن بذلك إِلَى سَائِر أوقاف الخزائن بسعة نفس وسماحة خاطر لَا يخلف فِي ذَلِك وَكَانَ فِيهِ سذاجة توقعه مَعَ من يربطه على أَمر فيأكله ومستأكله حَتَّى لَا يزَال فِي إفلاس وَذَلِكَ لكرمه وسلامته وَكَانَ مَأْمُون الصُّحْبَة حسن المذاكرة والبشر خير الطوية محبا للآثار مُعظما لطريقة السّلف جيد المعتقد وَرُبمَا بحث بِالْعقلِ الملائم للنَّقْل فَيُصِيب وَيحسن غَالِبا بِحَسب مَا يُمكن وَرُبمَا غلط وَكَانَ الْكَفّ بِمثلِهِ أولى عَن الجدل فَإِن الْمُخَالف ينْتَقد عَلَيْهِ ذَلِك وَيلْزمهُ بالتناقض بِحَسب نظره فمذهب السّلف فِي غَايَة الصلف وَالسُّكُوت أسلم وَالله أعلم

الصفحة 53