كتاب مقومات الداعية الناجح في ضوء الكتاب والسنة
فهاهو نبي الله نوح - صلى الله عليه وسلم - يناجي ربه: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا
اسْتِكْبَارًا} (¬1).
ولكن التحديات تزيد عود الداعية صلابة، وهمته شموخاً، فلا يفتأ قائماً على أمر الله، ظاهراً على الحق، لا يضره من خالفه، ولا من خذله حتى يجعل الله له سبيلاً: {ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} (¬2).
هذا هو شأن قوم أول المرسلين نوح - صلى الله عليه وسلم -، وهو موقف قوم خاتم المرسلين محمد - صلى الله عليه وسلم - لم يتغير ولم يتبدل، وهذه هي سبيل المجرمين في كل القرون ... {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ}.
ويصف الله تبارك وتعالى موقف قريش من النبي - صلى الله عليه وسلم -: {حم* تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ} (¬3).
ولهذا قال الله تعالى آمراً نبيه - صلى الله عليه وسلم -: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِالله وَلاَ تَحْزَنْ
عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ الله مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم
¬_________
(¬1) سورة نوح، الآيات: 5 - 7.
(¬2) سورة نوح، الآيتان: 8 - 9.
(¬3) سورة فصلت، الآيات: 1 - 5.
الصفحة 196
384