كتاب مقومات الداعية الناجح في ضوء الكتاب والسنة

والعزى، لئن رأيته يفعل ذلك لأطأنَّ على رقبته، أو لأعفرنَّ وجهه في التراب، قال: فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي، زعم ليطأنَّ على رقبته، قال: فما فجئهم (¬1) منه إلا وهو ينكص على عقبيه (¬2)، ويتقي بيديه، قال: فقيل له: ما لك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقاً من نار، وهولاً، وأجنحة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً)). قال: فأنزل الله - عز وجل -: {كَلاّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى} إلى آخر السورة (¬3).
وقد عصم الله النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذا الطاغية ومن غيره، وصبر على هذا الأذى العظيم ابتغاء وجه الله - تعالى -، فضحّى بنفسه وماله ووقته في سبيل الله تعالى.

الصورة الخامسة: وضع السَّلا على ظهره - صلى الله عليه وسلم -:
ومما أُصيب به محمد - صلى الله عليه وسلم - من الأذى ما رواه ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحاب له جلوس، وقد نحرت جزور بالأمس، فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سَلا (¬4) جزور بني فلان فيأخذه فيضعه على ظهر محمد إذا سجد، فانبعث أشقى
القوم (¬5)
¬_________
(¬1) ويقال أيضاً: فجأهم، أي بغتهم. انظر: شرح النووي، 17/ 140.
(¬2) يرجع يمشي إلى ورائه. انظر: المرجع السابق، 7/ 140.
(¬3) أخرجه مسلم في كتاب المنافقين، باب قوله تعالى: {كَلا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى} 4/ 2154، برقم 2797. وانظر: شرح النووي، 17/ 140.
(¬4) السّلا: هو اللفافة التي يكون فيها الولد في بطن الناقة وسائر الحيوان، وهي من الآدمية: المشيمة. انظر: شرح النووي، 12/ 151.
(¬5) هو عقبة بن أبي مُعيط، كما صرح في رواية لمسلم في صحيحه، 3/ 1419.

الصفحة 214