كتاب مقومات الداعية الناجح في ضوء الكتاب والسنة

والذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فَخُضْتَهُ لخضناه معك، ما تخلّف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدواً غداً، إنا لَصُبُرٌ في الحرب، صُدقٌ في اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقرّ به عينك، فسر بنا على بركة الله، فأشرق وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسُرَّ بما سمع، ونشَّطه ذلك، ثم قال: ((سيروا وأبشروا، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، ولكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم)) (¬1).
ومن مواقفه العظيمة في بدر: اعتماده على ربه - تبارك وتعالى - لأنه قد علم أن النصر لا يكون بكثرة العدد ولا العدة، وإنما يكون بنصر الله - عز وجل - مع الأخذ بالأسباب والاعتماد على الله - سبحانه وتعالى -.
عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً، فاستقبل نبي
الله - صلى الله عليه وسلم - القبلة، ثم مدَّ يديه، فجعل يهتف بربه (¬2): ((اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض))، فمازال يهتف بربه، مادّاً يديه، مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر، فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه
¬_________
(¬1) سيقت هذه القصة بالمعنى، وانظر: سيرة ابن هشام،2/ 253، وفتح الباري، 7/ 287، وزاد المعاد، 3/ 173،والرحيق المختوم، ص200،وقد أخرج البخاري مواضع منها. انظر: البخاري مع الفتح، كتاب المغازي، باب: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ}، 7/ 287، برقم 3952، وكتاب التفسير، 8/ 273،وأخرج مسلم بعض المواضع من القصة. انظر: صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة بدر، 3/ 1403، برقم 1779، وانظر: التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر، 2/ 194.
(¬2) يهتف بربه، أي: يصيح ويستغيث بالله بالدعاء. انظر: شرح النووي، 12/ 84.

الصفحة 232