كتاب مقومات الداعية الناجح في ضوء الكتاب والسنة

يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} (¬1)، أي يمشون في سكينة ووقار متواضعين غير أشرين ولا متكبّرين، ولا مرحين، فهم علماء، حلماء، وأصحاب وقار وعفّة (¬2).
والدعاة إلى الله تعالى إذا تواضعوا رفعهم الله في الدنيا والآخرة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما نقصت صدقةٌ من مال، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً، ومن تواضع لله رفعه)) (¬3).
وهذا ما يفتح الله به للداعية قلوب الناس؛ فإن الله يرفعه في الدنيا والآخرة، ويثبت له بتواضعه في قلوب الناس منزلة ويرفعه عندهم ويجلُّ مكانه (¬4)، أمَّا من تكبر على الناس فقد توعده الله بالذلّ والهوان في الدنيا والآخرة؛ لأن الله - عز وجل - ((العزُّ إزاره، والكبرياءُ رداؤه فمن ينازعه ذلك عذّبه)) (¬5).
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: كانت ناقة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - تُسمّى العضباء وكانت لا تُسْبَقُ، فجاء أعرابي على قعود له فسبقها، فاشتدّ ذلك على المسلمين وقالوا: سُبِقَتِ العضباء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن حقاً على الله أن لا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه)) (¬6).
ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الأسوة الحسنة للدعاة فقد كان متواضعاً في دعوته للناس، فعن أبي مسعود - رضي الله عنه - قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل فكلّمه
¬_________
(¬1) سورة الفرقان، الآية: 63.
(¬2) انظر: مدارج السالكين، 2/ 327.
(¬3) مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب استحباب العفو والتواضع، برقم 2588.
(¬4) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 16/ 142.
(¬5) مسلم كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الكبر، برقم 2620،ولفظه: ((فمن ينازعني عذبته)).
(¬6) البخاري، كتاب الرقائق، باب التواضع، برقم 6501.

الصفحة 340