كتاب مقومات الداعية الناجح في ضوء الكتاب والسنة

المبحث الثالث: أنواع الحكمة
الحكمة نوعان:

النوع الأول: حكمة علمية نظرية، وهي الاطِّلاع على بواطن الأشياء، ومعرفة ارتباط الأسباب بمسبباتها، خلقاً وأمراً، وقدراً وشرعاً.
النوع الثاني: حكمة عملية، وهي وضع الشيء في موضعه (¬1).
فالحكمة النظرية مرجعها إلى العلم والإدراك، والحكمة العملية مرجعها إلى فعل العدل والصواب، ولا يمكن خروج الحكمة عن هذين المعنيين؛ لأن كمال الإنسان في أمرين: أن يعرف الحق لذاته، وأن يعمل به، وهذا هو العلم النافع والعمل الصالح.
وقد أعطى الله - عز وجل - أنبياءه ورسله ومن شاء من عباده الصالحين هذين النوعين، قال تعالى عن إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا}، وهو الحكمة النظرية، {وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} (¬2)، وهو الحكمة العملية.
وقال تعالى لموسى - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّنِي أَنَا الله لا إِلَهَ إِلا أَنَا}، وهو الحكمة النظرية، {فَاعْبُدْنِي} (¬3)، وهو الحكمة العملية.
وقال عن عيسى - صلى الله عليه وسلم -: {إِنِّي عَبْدُ الله آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا}، وهو الحكمة النظرية، {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} (¬4)، وهو
¬_________
(¬1) انظر: مدارج السالكين لابن القيم، 2/ 478.
(¬2) سورة الشعراء، الآية: 83.
(¬3) سورة طه، الآية: 14.
(¬4) سورة مريم، الآيتان: 30 - 31.

الصفحة 38