كتاب جمع الجوامع المعروف بـ «الجامع الكبير» (اسم الجزء: 17)

قَالَ عُثْمَانُ: فَعَجِبْتُ مِن قَوْلِهَا، وقُلتُ: يَا خَالَةُ! مَا تَقُولِين؟ فَقَالَت: -
لَكَ الَجَمالُ وَلَكَ اللِّسَانُ ... هَذا نَبيٌّ مَعَهُ البُرْهَانُ
أَرْسَلَهُ بِحقِّهِ الدَّيانُ ... وَجاءهُ التَّنْزِيلُ والفُرْقَانُ
فَاتْبَعْه لاَ تَغْتَالُكَ الأَوْثَانُ
قلتُ يَا خالَةُ! إنَّكِ لَتَذْكُرينَ شَيْئًا مَا وَقَعَ ذِكْرهُ بِبَلَدِنَا، فَأَبينِيهِ لِى؟ ! فَقَالَتْ: محمدُ ابْنُ عَبدِ الله رسولٌ مِنْ عِنْدِ الله، جَاء بتَنْزيلِ الله يَدْعُو بِهِ إلِى الله، ثُمَّ قَالَتْ: مِصْبَاحُه مِصْبَاحٌ، وَدِينُه فَلاَحٌ، وَأَمْرُه نَجَاحٌ، وَقَرْنُه نَطَّاحٌ، " ذَلَّتْ بِهِ البِطَاحُ، مَا يَنْفَعُ الصِّيَاحُ، لَو وَقَعَ الذِّبَاحُ وَسُلَّتِ الصِّفَاحُ، وَمُدَّتِ الرِّمَاحُ، قَالَ: ثُمَّ انْصَرَفَتْ وَوَقَعَ كَلاَمُها فِى قَلْبِى وَجَعَلتُ أُفَكِّرُ فِيهِ، وَكَانَ لِى مَجْلِسٌ عِنْدَ أَبِى بَكْرٍ فَأَتَيْتُه فَأَصَبْتُه فِى مَجْلِس لَيْسَ عِنْدَه أحَدٌ، فَجَلَسْتُ إلَيْه، فَرآنِى مُفَكِّرًا، فَسَأَلَنِى عَن أَمْرِى - وَكَانَ رَجُلًا مُتَأَنيًا - فَأَخبرتُه بِما سمِعْتُ مِنْ خَالَتِى، فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا عُثْمَانُ! إنَّكَ لَرَجُلٌ حَازِمٌ مَا يَخْفَى عَلَيْكَ الحَقُّ مِنَ البَاطِلِ مَا هَذِه الأَوْثَانُ الَّتِى تَعْبُدُهَا قَوْمُنَا؟ أَلَيْسَتْ مِن حِجَارَةٍ صُمٍّ لا تَسْمَعُ وَلاَ تَبصُرُ، وَلاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ؟ قُلْتُ: بَلَى وَالله! إنَّهَا لكَذَلِكَ، قَالَ: فَقَد وَالله صَدَقَتْكَ خَالَتُكَ! هَذَا رسولُ الله محمدُ بنُ عبدِ الله، قَد بَعَثَه الله برَسَالَتِهِ إلَى خَلقِه! فَهَلْ لَكَ أَنْ تَأْتِيِهُ فَتَسمعَ منه؟ قَلْتُ: بَلَى فَوَالله مَا كَانَ أسْرعَ مِنْ أَنْ مَرَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَهُ عَلِىُّ بنُ أَبِى طَالِبٍ يَحْمِلُ ثَوْبًا! فَلَماَ رآهُ أبو بَكْرٍ قَامَ إلَيْهِ فَسارَّةُ فِى أُذُنِه بِشَئٍ، فَجَاءَنِى رَسولُ الله إليك وإلى خَلْقِه (*)، فَوَالله مَا تمالَكْتُ حينَ سَمِعْتُ قَوْلَه أَنْ أَسْلَمْتُ، وَشَهِدْتُ أَن لاَ إله إلَّا الله، وَحْدَه لاَ شَرِيكَ لَهُ! ثُمَّ لَمْ أَلْبَث أَنْ تَزَوَّجْتُ رُقَيَّةَ بنتَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - (فكان يقال: أحسن زوج رقية وعثمان (* *) ثم جاء الغد أبو بكر بعثمانَ بنِ مظعون وبأبى عبيدةَ بنِ
¬__________
(*) هكذا بالأصل والعبارة في الكنز (فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقعد ثم أقبل علىَّ فقالَ: إنى رسول الله إليك وإلى خلقه).
(* *) ما بين القوسين زيد من الكنز.

الصفحة 47