كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 17)

لمن أصاب حدا أن يستتر بستر الله -تعالى- وأن يتقي الله ولا يعود؛ فإن الله –تعالى- يقبل التوبة عن عباده.
قال: ولا يسقط في الآخر؛ لأن العمومات الواردة فيها لم تفصل بين ما قبل التوبة وما بعدها، بخلاف قاطع الطريق، ولأنه حد لا يختص بالمحاربة؛ فلم يسقط بالتوبة كحد القذف، وهذا أصح عند النواوي.
والقائلون بالأول حملوا العمومات على حالة الإصرار.
وأما القياس على حد القذف، فلهم منع الحكم فيه -أيضا-[لأن الماوردي قد حكى عن بعض أصحابنا: أنه يسقط بالتوبة -أيضا-] وهو قول قديم للشافعي؛ كما حكيناه في باب حد قاطع الطريق، فعلى هذا اندفع القياس.
وعلى الصحيح، وهو أنه لا يسقط بها؛ كما جزم به الجمهور –فالفرق: أنه محض حق آدمي، وحقوق الآدميين مبنية على المضايقة والمشاحة، بخلاف حد الزنى ونحوه؛ فإنه محض حق الله تعالى، وحقوق الله تعالى مبنية على المساهلة والمسامحة.
أما إذا حصلت التوبة بعد الظفر، فالمذكور في "الشامل" و"الحاوي": أنها لا تؤثر، وعلى ذلك جرى غيرهما، كما ستعرفه. وكأنهم –والله أعلم- أخذوا ذلك من قول الشافعي –رضي الله عنه- في "المختصر" في قطاع الطريق: ومن تاب منهم قبل أن يقدر عليه، سقط عنه الحد، ولا تسقط حقوق الآدميين، ويحتمل أن يسقط كل حد لله -تعالى- بالتوبة. وقال في كتاب الحدود: وبه أقول. ففي أحد القولين ألحقه بقاطع الطريق، وأشار في ضمن الاحتمال إلى أنه غير ملحق به، وقاطع الطريق لا يسقط حده بالتوبة بعد الظفر كما أفهمه لفظ الكتاب العزيز؛ فكذلك غيره من طريق [الأولى، ووجه] الأولوية: أن حد قاطع الطريق يسقط بمجرد إظهار التوبة، وغيره ليس كذلك.
وقد حكى القاضي الحسين في باب حد الزنى عن بعض الأصحاب هذه
الطريقة، وقال: إن من أصحابنا من عكس، فقال: إذا تاب عن حد الزنى قبل

الصفحة 428