كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 17)

وبين العبارتين فرق؛ لأن هذه [العبارة] تقتضي أن من دخل في الدين المذكور بعد أن نزل قوله تعالى: {اقْرَا بِاسْمِ رَبِّكَ} إلى قوله تعالى: {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1 - 5]، لا تعقد له الذمة؛ لأنها أول آية أنزت عليه صلى الله عليه وسلم والعبارة الأولى تقتضي أن تعقد له؛ لأنه في هذه الحالة لم يؤمر بإنذار ولا رسالة، ولم يزل كذلك إلى نزل عليه قوله تعالى: {يأيها المدثر*قم فأنذر* ...} إلى قوله: {والزجر فاهجر} [المدثر: 1 - 5]، ففي هذه الحالة تمت نبوته، وتحققت رسالته.
وفي "الحاوي" حكاية وجه آخر مع الأول عن رواية أبي إسحاق المروزي – وقال: إنه الأظهر -: أن شريعة موسى – عليه السلام – نسختها [شريعة] عيسى – عليه السلام – فمن دخل فيها بعد بعثته لا تعقد لأولاده، وهذا ما حكاه البندنيجي عن الشافعي – رضي الله عنه -، وجزم به في "المهذب"، وعزا إلى المزني أنها تعقد لمن دخل قبل النسخ أو بعده، وسواء دخل في دين المبدلين أو غيره.
قال: ويجوز أن يعقد لليهود والنصارى، أي: من العرب والعجم؛ لعموم الآية؛ فإنها دلت على عقدها لأهل الكتاب، ولم يقع فيها فصل بين عجمي وعربي، واليهود والنصارى أهل كتاب بالاتفاق؛ قال الله تعالى: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} [الأنعام: 156]، وقد روى أبو داود عن أنس بن مالك أنه صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من أكيدر دومة، بعد أن أسره وحمله إلى المدينة، وكان من غسان أو من كندة على اختلاف فيه، وأخذها من أهل اليمن وأكثرهم عرب.
وأكيدر: بضم الهمزة، وفتح الكاف، وسكون الياء آخر الحروف، وبعدها دال مهملة [مكسورة وراء مهملة.

الصفحة 8