كتاب شرح سنن أبي داود لابن رسلان (اسم الجزء: 17)

صار من الفتن التي شاهدها (كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا) يشبه أن يكون سمى من أصبح مؤمنًا بانسحاب الإيمان المتقدم، أو أنه يصبح يجدد إيمانه بذكر الشهادتين أول نهاره، وحمله على هذا هو الحقيقة، والأول مجاز.
(القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي) إليها بإسراع (قالوا: فما تأمرنا يا رسول اللَّه؟ قال: كونوا أحلاس بيوتكم) أي: لازموا بيوتكم وانضموا إليه كما ينضم الحلس ويلازم ظهر البعير.
وأمره -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا الحديث والذي قبله وتسليم النفس للقتل كابن آدم، قال طائفة: هذا عند اجتماع الفتن؛ فإن النهوض فيها غير جائز لقتالهم المسلمين لغير تأويل صحيح. قالوا: وعليه أن يستسلم للقتل إن أريدت نفسه ولا يدفع عنها، وحملوا الأحاديث على ظواهرها، وربما احتجوا من جهة النظر بأن كل فريق من المقتتلين في الفتنة يقاتل على تأويل، وإن كان في الحقيقة خطأ فهو عند نفسه محق وغير جائز لأحد قتله، وسبيله سبيل حاكم من المسلمين يقضي بقضاء مما اختلف فيه العلماء على ما يراه صوابًا، فغير جائز لغيره من الحكام نقضه إذا لم يخالف بقضائه ذلك كتابًا ولا سنة ولا جماعة، فكذلك المقتتلون في الفتنة، كل حزب منهم عند نفسه محق، فغير جائز قتالهم، وإن قصدوا القتل فغير جائز دفعهم.
وعلى هذا عمران بن حصين وابن عمر، وقد روي عنهما وعن غيرهما منهم: عبيدة السلماني أن من اعتزل الفريقين ودخل بيته فأتى

الصفحة 24