كتاب شرح سنن أبي داود لابن رسلان (اسم الجزء: 17)

رسول اللَّه لئن أدركتنا هذِه) الفتنة (لتهلكنا) بفتح اللام الأولى وكسر الثانية، وتشديد نون التوكيد، أي: ليعمنا الهلاك فيها.
(فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: كلا) معناها الجحد، أي: لا واللَّه لا ضرر عليكم في دينكم إذا كرهتم ما صنع المفسدون وتبرأتم من ذلك حسب ما يلزمكم، وأما لم تأمروا ولم تكرهوا هلكتم جميعكم، كما قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} (¬1) بل تعم بشؤمها من تعاطى ورضيها، هذا بفساده، وهذا برضاه، وروي عن بعض (¬2) الصحابة أنه قال: إن الرجل إذا رأى منكرًا لا يستطيع النكير عليه، فليقل: اللهم هذا منكر لا أرضاه. فإذا قال ذلك فقد أدى ما عليه، فأما إذا سكت عليه فكلهم عاصٍ.
(إن بحسبكم) (إن) بتشديد نون التوكيد، و (بحسبكم) جار ومجرور والباء زائدة، وفي بعض النسخ: "إن حسبكم" (القتل) قال ابن الأثير: أي: إن القتل كافيكم ومقنعكم (¬3). أي: لكون كثرة القتل وإهلاك جميع الناس عند ظهور الفتن والإعلان بالمعاصي كافيا في رفع الحرج عن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل على الإنسان تحريضه نفسه، ويكف عن التحرك في القتال، ويكون القتل طهرة للمؤمنين ونقمة للفاسقين؛ لقوله -عليه السلام-: "ثم بعثوا على نياتهم" وفي رواية: "أعمالهم".
(قال سعيد) بن زيد (فرأيت إخواني) قد (قتلوا) في الفتنة، كما أخبر
¬__________
(¬1) الأنفال: 25.
(¬2) ساقطة من (م).
(¬3) "جامع الأصول" 10/ 37.

الصفحة 53