كتاب شرح سنن أبي داود لابن رسلان (اسم الجزء: 17)

وبدا الصباح كأنَّ غرته ... وجه الخليفة حين يمتدح (¬1)
فإن المراد في البيت أن وجه الخليفة أوضح بياضًا من غرة الصبح، وقد اختلف العلماء في شبه العمد، فنفاه مالك والليث بن سعد وابن حزم (¬2). قال أبو عمر (¬3): وقال بقولهم جماعة من الصحابة والتابعين؛ لأن اللَّه تعالى لم يجعل في كتابه العزيز إلا قسمين: عمد وخطأ، وذلك في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} وقال في المتعمد: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} ولم يجعل في القتل قسمًا ثالثًا.
قال ابن المنذر: وممن أثبت شبه العمد الشعبي والحكم وحماد والنخعي وقتادة وسفيان الثوري وأهل العراق والشافعي. قال: وروينا ذلك عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب. وهذا الحديث من أعظم الأدلة على ثبوت شبه العمد (¬4).
(شبه العمد ما كان بالسوط والعصا) هذان مثالان لشبه العمد، فإن ضرب السوط والعصا متردد بين العمد والخطأ، فالضرب بهما يشبه العمد لكون الضرب بهما مقصود الفعل، ويشبه الخطأ؛ لأنهما لا يقصد بضربهما القتل المزهق؛ فلشبهه بالعمد غلظت الدية ولشبهه
¬__________
(¬1) البيت لمحمد بن وهب الحميري من قصيدة يمدح بها الخليفة المأمون. انظر: "عيار الشعر" ص 118، "الصناعتين" للعسكري ص 455، "معاهد التنصيص" 2/ 57.
(¬2) "المحلى" 10/ 383.
(¬3) انظر: "الاستذكار" 25/ 248.
(¬4) "الأوسط" 13/ 76 - 77.

الصفحة 656