كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 17)

والثالث: وهو الصحيح أنها نافية بمعنى مكّناكم في الذي ما مكّناهم فيه من القوة والبَسْطَةِ وسَعَةِ الأرزاق. ويدل له قوله في مواضع: {أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [الروم: 9] وأمثاله. وإنما عدل عن لفظ «ما» النافية إلى «إنْ» كراهية لاجتماع متماثلين لفظاً. قال الزمخشري: وقد أَغَيُّ أبو الطيب في قوله:
4459 - لَعْمُرَكَ ما ما بانَ مِنْكَ لَضَارِبٌ..... ... ... ... ... ... ... ... ... ... .
وما ضره لو اقتدى بعذوبة لفظ التنزيل فقال: «مَا إنْ بان» .
فصل
معنى الآية مكناهم فيما لم نمكنكم فيه من قوة الأبدان وطولِ العمر، وكَثْرةِ المال ثم إنهم مع زيادة القُوَّة ما نَجَوْا من عذاب الله تعالى فكيف يكون حالكم؟ ثم قال: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً} أي فتحنا عليهم أبواب النعم وأعطيناهم سمْعاً، فما استعملوه في سَمَاع الدلائل وأعطيناهم أبصاراً فما استعملوها في دلائل ملكوت السموات والأرض، وأعطيناهم أفئدة فما استعملوها في طلب معرفة الله تعالى بل صرفوا كل هذه القُوَى إلى طلب الدنيا ولذاتها فلا جَرَمَ ما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من عذاب الله تعالى.
قوله: {فَمَآ أغنى} يجوز أن يكون «ما» نفياً وهو الظاهر. أو استفهاماً للتقرير.
واستبعده أبو حيان لأجل قوله: {مِّن شَيْءٍ} قال: إذ يصير التقدير أي شيء أعنى عنهم من

الصفحة 410