كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 17)

قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الذين كَفَرُواْ على النار} فيقال لهم: أَلْيسَ هَذا بالْحَقِّ قَالُوا بَلَى فقوله: أليس هذا معمول لقول مضمر هو حال كما تقدم في نظيره. والمقصود من هذا الاستفهام التهكم والتوبيخ على استهزائهم بوعد الله تعالى ووعيده. فيقال لهم {فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} .
قوله تعالى: {فاصبر كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ العزم مِنَ الرسل} الفاء في قوله «فَاصْبِر» عاطفة هذه الجملة على ما تقدم، والسببية فيها ظاهرة. واعلم أنه تعالى لما قرر المَطَالِبَ الثَّلاثَة وهي التوحيد والنبوة وأجاب عن الشبهات أردفه بما يجري مجرى الوعظ والنصيحة للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وذلك لأن كانوا يؤذونه ويُوجِسُون صدره فقال تعالى: {فاصبر كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ العزم} أي أُولو الجِدِّ والصَّبْر والثَّبَات وقال ابن عباس (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما) أولو الحَزْم.
قوله: {مِنَ الرسل} يجوز أن تكون من تبعيضية، وعلى هذا فالرُّسُلُ أَولُو عَزْم وَغيرُ أُولِي عَزْمٍ. ويجوز أن يكون للبيان فكلهم على هذا أُولو عَزْم. قال ابن زيد: كُلّ الرُّسُلِ كانوا أولى عزم ولم يبعث الله نبياً إلا كان ذَا عَزْم وحَزْمٍ، ورأي وكمال عقل. وإنما دخلت مِنْ للتَّجْنِيس لا للتبعيض كما يقال اشتريت (أكسية) من الخَزِّ وأَرْدِيَةً من البزّ. وقيل: الأنبياء كلهم أولو العزم إلا يُونُسَ لعجلة كانت منه، ألا ترى أنه قيل للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: {وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الحوت} [القلم: 48] وقيل هم نُجَبَاء الرسل، وهم المذكورون في سورة الأنعام، وهم ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لقوله بعد ذكرهم: «أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ فبهداهُم اقْتَدِهْ» . وقال الكلبي: هم الذين أمروا بالجهاد، وأظهروا المكاشفة مع أعداء الدين وقيل: هم ستة: نوحٌ وهودٌ، وصالحٌ، ولوطُ، وشعيبٌ،

الصفحة 420