كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 17)

فصل
قال سهل بن سعد: «رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال بإصبعه هكذا بالوْسْطَى والتي تلي الإبهام: بُعِثْتُ وَالسَّاعَة كَهَاتَيْنْ» وقال عليه الصلاة السلام: «إنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أن يُرْفَعَ العِلْمُ وَيكْثُرَ الجَهْلُ ويَكْثُرَ الرِّبَا، ويَكْثُرَ شُرْبُ الْخَمْرِ، ويَقِلَّ الرِّجَالُ، وتَكْثُرَ النِّسَاءُ حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امرأة القيمُ الواحِدُ» وقال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: «إذَا ضُيِّعَتِ الأَمانَةُ فَانْتَظِر السَّاعَةَ فقيل: كَيْفَ إضَاعَتُهَا؟ قَالَ: إذا وُسِّدَ الأَمْرُ إلى غَيْرِ أَهْلِهِ، فَانْتَظِر السَّاعَة» واعلم أن قوله تعالى: {فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون بياناً لغاية عِنَادِهِمْ. ويحتمل أن يكون تسليةً لقلب المؤمنين كأنه تعالى لما قال: {فهل ينظرون إلا الساعة} ، فهم منه تعذيبهم، قال المفسرون: أشراط الساعةمثل انشقاق القمر، ورسالة محمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ.
قوله: {فأنى لَهُمْ} «أَنَّى» خبرٌ مقدم، و «ذِكْرَاهُم» مبتدأ مؤخر، أي أَنَّى لهم التذكير. وإذَا وما بعدها معترض. وجوابها محذوف أي كيف لهم التذكير إذا جاءتهم الساعة؟ فكيف تتذكرون؟ ويجوز أن يكون المبتدأ محذوفاً أي أنَّى لهم الخلاص؟ ويكون «ذِكْرَاهُمْ» فاعلاً ب «جَاءَتْهُمْ» . وقرأ أبو عمرو في رواية «بَغَتَّةً» بفتح الغين وتشديد التاء.
وهي صفة فنصبها على الحال، ولا نظير لها في الصفات ولا في المصادر، وإنما هي في الأسماء نحو: الجَرَبَّة للجماعة والشَّرَبَّة للمكان. قال الزمخشري: وما أخوفني أن تكون غلطة من الراوي على أبي عمرو، وأن يكون الصواب: بَغَتَةً بفتح الغين من غير تشديدٍ.
فصل
معنى الآية فمن أين لهم التَّذَكُّر والاتِّعاظ والتوبة إذا جاءتهم ذكراهم أي السّاعة نظيره: {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنسان وأنى لَهُ الذكرى} [الفجر: 23] .
قوله: {فاعلم أَنَّهُ لاَ إله إِلأ الله} وجه مناسبته لما قبله هو أنه تعالى لما قال فاعلم أنه لا

الصفحة 449