كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 17)

فصل
المعنى: لنُعَامِلَنَّكُمْ معالمة المختبر بأن نأمركم بالجهاد والقتال {حتى نَعْلَمَ المجاهدين مِنكُمْ والصابرين} أي علم الوجود والمشاهدة فإن تعالى قد علمه علم الغيب يريد نبين المجاهد الصابر على دينه من غيره وقوله: {وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} أي يظهرها ويكشفها بإباء من يأبى القتال ولا يَصْبِرُ على الجهاد.
قوله: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله وَشَآقُّواْ الرسول مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهدى} قيل: هم أهل الكتاب قُرَيْظَةُ والنَّضِيرُ لأن أهل الكتاب تبين لهم صدق محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وقيل: هم كفا رقريش. {لَن يَضُرُّواْ الله شَيْئاً} إنما يضرون أنفسهم وهذا تهديد {وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ} فلا يُبْقي لهم ثواباً في الآخرة. قال ابن عباس (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما) هم المُطْعمُونَ يوم بدر. نظيرها قوله تعالى: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} [الأنفال: 36] وقيل: الأعمال ههنا مكايدهم في القتال.
قوله: {يا أيها الذين آمنوا أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرسول وَلاَ تبطلوا أَعْمَالَكُمْ} قال عطاء: بالشك والنفاق. وقال الكلبي: بالرِّياء والسمعة. وقال الحسن: بالمعاصي والكبائر. وقال أبو العالية: كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يرون أ، هـ لايضر مع الإخلاص ذنب، كما لا ينفع مع الشِّرك عمل فنزلت هذه الآية فخافو الكبائر أن تحبط الأعمال. وقال مقاتل: لا تَمُنُّوا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فتبطلوا أعمالكم نزلت في بني أسد قال تعالى: {لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بالمن والأذى} [البقرة: 264] فإنه يقول: فعلته لأجل قلبك ولولا أرضاك به لما فعلت وهذا مناف للإخلاص والله لا يقبل إلاَّ العَمَلَ الخالص.

الصفحة 468