كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 17)

قوله: {وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} أي ينقصكم أو يفردكم عنها، فهو من وَتَرْتُ الرَّجُلَ إذا قتلت له قتيلاً أو نَهَبْتَ مَالَهُ. أو من الوضتْر وهو الانفْراد. وقيل: كلا المعنيين يرجع إلى الإفْراد، لأن من قُتَل له قتيل، أو نهبَ له مال فقد أفرد عينه فمعنى: «لن يتركم أعمالكم» لَنْ يَنْقُصكُمْ شيئاً من ثواب أعمالكم يقال: وَتَرَه يَتِرُهُ وَتْراً وترَةً إذَا نقصه حَقَّهُ.
قال ابن عباس: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما) وقتادة والضحاك: لن يَظْلِمَكُمْ أعمالكم الصالحة أن يؤتيكم أجورها. ثم حضَّ على طلب الآخرة فقال: {إِنَّمَا الحياة الدنيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} باطل وغرور {وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ} الفواحش {يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ} جزاء أعمالكم في الآخرة {وَلاَ يَسْأَلْكُمْ} ربكم {أَمْوَالَكُمْ} لإتتاء الأجر بل يأمركم بالإيمان والطاعة ليثيبكم عليها الجنة. نظيره قوله: {مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ} [الذاريات: 57] . وقيل: لا يسألكم محمد أموالكم نظيره: {قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} [ص: 86] . وقيل: معنى الآية لا يسألكم الله ورسوله أموالكم كلها في الصدقات إنما يسألانِكم غيضاً من فيض رُبع العشر فطيبوا بها نفساً. قاله ابن عُيَيْنَةَ. ويدل عليه سياق الآية.
قوله: «فَيُحْفِكُمْ» عطف على الشرط و «تَبْخَلُوا» جاب الشرط. قال ابن الخطيب: الفاء في قوله: «فَيُحْفِكُمْ» لِلإشارَة إلى أن الإحْفَاءَ يتبع السؤال لشُحِّ الأَنْفُس، وذلك لأن العطف بالواو قد يكون لمباينين وبالفاء لا يكون إلا للمتعاقبين، أو متعلقين أحدهما بالآخر فكأنه تعالى يبين أن الإحْفَاء يقع عقيبَ السؤال لأن الإنسان بمجرد السؤال لا يعطي شيئاً. قال المفسرون: فيُحْفِكُمْ يُجْهِدُكم وبلحف عليكم بمسألة جميعها يقال: أَحْفَى فلانٌ فلاناً إذا جهده وَألحَفَ قلبهُ في المسألة.
قوله: {تَبْخَلُواْ وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ} العامة على إسناد «يُخْرِجْ» إلى ضمير فاعل إما الله تعالى أو الرسول أو السّؤَال؛ لأنه سبب وهو مجزوم عطفاً على جواب الشرط وروي عن أبي عمرو رفعه على الاستئنَافِ وقرأ أيضاً بفتح الياء وضم الراء ورفع «أَْضْغَانُكُمْ» فاعلاً.

الصفحة 470