كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 17)

و «فِي وُجُوهِهِمْ» خبر «سِيمَاهُمْ» و {مِّنْ أَثَرِ السجود} حال من الضمير المستتر في الجار وهو «في وُجُوهِهِمْ» . وقرأ العامة «مِن أَثْرِ» بفتحتين. وابن هرمُز بكسر وسكون. وقتادة «مِنْ آثار» جمعاً.
فصل
المعنى علامتهم في وجوههم من أثر السجود. قيل: المراد سيماهم نورٌ وبياضٌ في وجوههم يوم القيامة كما قال تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106] . رواه عطيةُ العَوْفيُّ عن ابن عباس: وقال عطاء بن أبي رباح والربيع بن أنس: استنارة وجوههم من كَثْرَةِ صلاتهم. وقال شهر بن حوشب: تكون مواضع السجود من وجوههم كالقمر ليلة البدر. وروي البوالبيُّ عن ابن عباس: هو السَّمْتُ الحسن والخشوعُ والتواضع وهو قول مجاهد. والمعنى أن السجود أورثهم الخشوعَ والسَّمْتَ الحسن الذي يعرفون به. وقال الضحاك: صفرة الوجوه. وقال الحسن رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: إذا رأيتهم حسبتهم مرضى وما هم بمرضى. وقال سعيد بن جبير وعكرمة: هو أثر التراب على الجِبَاه. وقيل: المراد ما يظهر في الجباه بكثرة السجود.
قوله: «ذَلِكَ مَثَلُهْمْ» ، «ذلك» إشارة إلى ما تقدم من وصفهم بكونهم أشِدَّاءَ رُحَمَاءَ لهم سِيمَا في وجوههم وهو مبتدأ خبره «مَثَلُهُمْ» و «فِي التَّوْرَاةِ» حال من «مَثَلَهُمْ» والعامل معنى الإشارة.
قوله: {وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجيل} يجوز فيه وجهان:
أحدهما أنه مبتدأ وخبره «كَزَرْعٍ» فيوقف على قوله: «فِي التَّوْرَاةِ» فهما مَثَلانِ.
وإليه ذهب أبن عباس (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما) :
والثاني: أنه معطوف على «مَثَلُهُمْ» الأول فيكون مثلاً واحداً في الكتابين ويوقف حينئذ على: ف يالإنجِيلِ وإليه نحا مُجاهدٌ، والفراء.
وعلى هذا يكون قوله «كَزَرْعٍ» فيه أوجه:
أحدهما: أنه خبر مبتدأ مضمر أي مثلهم كزرع فسر بها المثل المذكور.

الصفحة 514