كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 17)

الثاني: أن يتعلق بمحذوف دل عليه تشبيهُهُمْ بالزرع في نمائِهِمْ وتقويتهم. قاله الزمخشري، أي شبههم الله بذلك ليغيظ.
الثالث: أن يتعلق بما دل عليه قوله: {أَشِدَّآءُ عَلَى الكفار ... .} إلى آخره أي جعلهم بهذه الصفات ليغيظ.
قال مالك ابن أنس (رَضِيَ اللَّهُ عَنْه) «مَنْ أصْبَحَ فِي قَلْبِهِ غَيْظٌ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَدْ هَذِهِ الآيَةُ» . وقال عليه الصلاة السلام: «اللهَ اللهَ فِي أَصْحَابِي لاَ تَتَّخِذُوهُمْ عَرَضاً بَعْدِي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن أذاهم فقد آذاني فَقَدْ أَذَى الله فَيُوشِكُ أَنْ يَأخُذَهُ» .
وقال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: «لاَ تَسُبّثوا أَصْحَابِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدهِم وَلاَ نَصِيفَهُ» .
قوله: {لْكُفَّارَ وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات مِنْهُم} «مِنْ» هذه للبيان، لا للتبعيض؛ لأن كلهم كذلك فهي كقوله: {فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان} [الحج: 30] .
وقال الطبري: منهم يعني من الشطء الذي أخرج الزرع، وهم الداخلون في الإسلام إلىيوم القيامة، فَأَعَادَ الضمير على معنى الشطء لا على لَفْظِهِ فقال: «مِنْهُمْ» ولم يقل: مِنْه وهو معنًى حَسَنٌ.
فصل
قد تقدم الدكلام على الأجر العظيم والمغفرة مراراً. وقال ههنا في حق الراكعين السَّاجدين: إنهم يَبْتَغُونَ فضلاً من الله ورِضْواناً وقال: لهم أجر «ولم يقل: لهم ما يطلبوا (نَ) هـ من الفضْل؛ لأن المؤمن عند العمل لم يلتَفِتْ إلى عمله ولم يجعل له أجراً يعتدّ به فقال: لا أبتغي إلا فضلك فإن عملي نَزْرٌ لا يكون له أجرٌ والله تعالى آتاه من طلب الفضل، وسماه أجراً إشارةً إلى قبوله عمله ووقوعه الموقع.

الصفحة 518