كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 17)

بإسكانها. وهي ثلاث لغات وتقدم تحقيقها في البقرة في قوله: «في ظُلُمَاتٍ» .
الحُجْرَةُ فُعْلَةٌ بمعنى مفعولة كغُرْفَة بمعنى مَغْروفَة. قال البغوي: الحُجُرَاتُ جمع الحُجْرَةِ فهي جَمْعُ الجَمْعِ.
فصل
ذكروا في سبب النزول وجوهاً:
الأول: قال ابن عباس: بعث رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ سريّةً إلى بني العَنْبر، وأمر عمليهم عُيَيْنَة بن حِصْنٍ الفَزَاريّ، فلما علما هربوا وتركوما عيالهم، فَسَبَاهُمْ عيينة، وقدم (بهم) على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فجاء بعد ذلك رجالهم يفدونَ الذَّرَارِي فقدموا وقت الظهيرة ووافقوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قائلاً في أهله فلما رأتهم الذَّرَارِي أجْهَشُوا إلى آبائهم يبكون وكانت لكل امرأة من نساء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حُجْرةٌ فجعلوا أن يخرج إليهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فجعلوا ينادون: يا محمد اخْرُجُ إلينا حتى أيقظُوه من نومه فخرج إليهم، فقالوا يا محمد: فادنا عيالنا، فنزل جبريل (عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ) فقال: إن الله يأمرك أن تجعل بين وبنيهم رجلاً فقال لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أتَرْضُون أن يكون بيني وبينكم سبرة بن عمرو وهو على دينكم؟ فقالوا: نعم؛ قال سبرة: أنا لا أحكم وعمي شاهد وهو الأعور بن بشامة؛ فرضوا به فقال الأعور: أرى (أن) تفادي نصفهم وأعتق نصفهم. فأنزل الله: {إَنَّ الذين يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ الحجرات أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} وصفهم بالجهل وقلة العقل.
{وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حتى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ} لأنك كنت تعتقهم جميعاً وتطلقهم بلا فداء {والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} . وقال قتادة: نزلت في ناسٍ من أعراب بني تميم جاءوا إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فنادوا على الباب: اخرج إلينا يا محمد فإنن مَدْحَنا زَيْنٌ وذمّنا شينٌ فخرج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وهو يقول إنما ذلك اللهُ الذي مَدْحُهَ زَيْنٌ وذَمُّهُ شَيْنٌ، فقالوا: نحن ناس من بني تميم جئنا بشاعرنا وخطيبنا نشاعرُك ونفاخرك، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ما بالشعر بُعِثْتُ، ولا بالفخر أُمِرْتُ، ولكن هاتوا فقام شاب منهم فذكر فضلَه وفضل

الصفحة 528