كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 17)

وقام الدليل من هذا على أن حسن الرأي وجودة التدبير من الرجل الواحد يشير به في قتال العدو وقد يكون أنكى من الشجاعة، وغناء العساكر العظام (¬1)، ومن استثنى السفر فكأنه استند لحديث الباب، ومن استثنى العلم فلحديث عمر في مسلم: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لبس الحرير إلا موضع أصبعين أو ثلاث أو أربع رواه مسلم (¬2). وفي أبي داود: ثلاثة أو أربعة (¬3).
والظاهر أنه ليس بشك من الراوي وإنما هو تفصيل للإباحة، كما يقال: خذ واحدًا أو اثنين أو ثلاثة -يعني ما شئت من ذَلِكَ- وفي "مسند أحمد" و"سنن أبي داود" من حديث ابن عباس أنه قَالَ: إنما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الثوب المصمت من الحرير، وأما العلَم وسداء الثوب فليس به بأس (¬4). وصححه الحاكم على شرط الشيخين بلفظ: إنما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المصمت إذا كان حريرًا (¬5).
وقد أباحه مالك في ثلاثة أصابع، في أشهر قوليه؛ لأنه لم يرو إلا أربع.
ومن حرمه على النساء أيضًا احتج بحديث مسلم أن ابن الزبير قَالَ: لا تلبسوا نساءكم الحرير فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة" (¬6)، وكأنه فهم العموم ولم ير
¬__________
(¬1) "شرح ابن بطال" 5/ 105 - 106.
(¬2) مسلم (2069/ 15) كتاب اللباس، باب تحريم استعمال إناء الذهب.
(¬3) أبو داود (4042) بلفظ: (أصبعين وثلاثة وأربعة) بواو العطف لا بـ (أو) التخيير.
(¬4) أبو داود (4055)، وأحمد 1/ 321.
(¬5) "المستدرك" 4/ 192.
(¬6) "مسلم" (2069/ 11).

الصفحة 656