كتاب التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين
يَفْعَلُونَ) وَقَالَ {فَاعْلَم أَنه لَا إِلَه إِلَّا الله} فَأمره بالمعرفة ومغادرة كل دين يُخَالِفهُ فِي حَقِيقَته وَأمره أَن يخبر عَن نَفسه بِصفة مَعْرفَته الجامعة لوصفي النَّفْي وَالْإِثْبَات وَمَعْرِفَة مَا يجب مَعْرفَته ومجانبة مَا تجب مجانبته فَقَالَ {قل إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم دينا قيمًا مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا وَمَا كَانَ من الْمُشْركين} وَأمر سُبْحَانَهُ الكافة بِكَلِمَة الْإِيمَان لَا إِلَه إِلَّا الله جمع فِيهَا بَين النَّفْي وَالْإِثْبَات وَقدم النَّفْي على الْإِثْبَات ليعلم أَن الْإِثْبَات لَا يحصل إِلَّا بصيانته عَن كل مَا يتَضَمَّن مُخَالفَته وَهَكَذَا جمع فِي سُورَة الْإِخْلَاص بَين النَّفْي وَالْإِثْبَات فوصف نَفسه بأوصاف الْكَمَال فِي قَوْله {قل هُوَ الله أحد الله الصَّمد} وَنفي عَن نَفسه النُّقْصَان بقوله {لم يلد وَلم يُولد وَلم يكن لَهُ كفوا أحد} حَتَّى قَالَ أهل المعارف فِي تَحْقِيق صفة الصَّمد أَنه يتَضَمَّن إِثْبَات كل صفة لَا يتم الْخلق إِلَّا بهَا وَنفي كل صفة لَا يجوز وَصفه بهَا لِأَن الصَّمد فِي اللُّغَة هُوَ السَّيِّد الَّذِي يرجع إِلَيْهِ فِي الْحَوَائِج وَهَذَا يُوجب لَهُ إِثْبَات صِفَات الْكَمَال الَّتِي يتم بهَا إتساق الْأَفْعَال وَقد جَاءَ إِيضَاح اللُّغَة فِي تَفْسِيره أَن الصَّمد هُوَ الَّذِي لَا جَوف لَهُ وَهَذَا يتَضَمَّن نفي النِّهَايَة وَنفي الْحَد والجهة وَنفي كَونه جسما أَو جوهرا لِأَن من اتّصف بِشَيْء من تِلْكَ الْأَوْصَاف لم يسْتَحل اتصافه بالتركيب وَوُجُود الْجوف لَهُ وتقرر بِهَذِهِ الْجُمْلَة وجوب الْمعرفَة بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَات والتمييز بَين الْحق وَالْبَاطِل وَمن لم يتَحَقَّق لَهُ معرفَة نفي صفة الْبَاطِل لم يتَحَقَّق لَهُ معرفَة إِثْبَات صفة الْمعرفَة بِالْحَقِّ
وَقد كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسألونه عَن الْحق لصِحَّة الإعتقاد والمعرفة وَعَن الْبَاطِل وَالشَّر للتمكن من المجانبة حَتَّى قَالَ حُذَيْفَة بن الْيَمَان كَانَ النَّاس
الصفحة 14
227