كتاب التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين

بحدوث الْأَعْرَاض وَقوم من الفلاسفة يَقُولُونَ بِأَن للْعَالم صانعا قَدِيما وَلَكِن يَقُولُونَ أَيْضا لِأَن الْعَالم قديم كَمَا أَن صانعه قديم وَيَقُولُونَ بقدم الصَّنْعَة والصانع وعَلى هَذَا الْمَذْهَب كَانَ برقلس
وَقوم من الفلاسفة يَقُولُونَ إِن الطبائع الْأَرْبَع قديمَة وَهِي الأَرْض وَالْمَاء وَالنَّار والهواء وَزَاد على هَؤُلَاءِ قوم مِنْهُم فَقَالُوا إِن هَذِه الْأَرْبَعَة قديمَة والأفلاك وَالْكَوَاكِب أَيْضا قديمَة وَزَاد قوم مِنْهُم طبيعة خَامِسَة زَعَمُوا أَنَّهَا قديمَة
وَمِنْهُم قوم يُقَال لَهُم الْمَجُوس وهم أَربع فرق الزروانية والمسخية والخرم دينية واليه آفريدية وَهَؤُلَاء كلهم على مَذْهَب الْمَجُوس يَقُولُونَ بيزدان وأهزمن
مِنْهُم قوم يُقَال لَهُم الصابئة وَهَؤُلَاء قوم ينتحلون مَذْهَب أَصْحَاب الهيولى كَمَا وصفناه وَمِنْهُم قوم يُقَال لَهُم البراهمة يُنكرُونَ جَمِيع الْأَنْبِيَاء وَلَكنهُمْ يَقُولُونَ بِحَدَث الْعَالم وتوحيد الصَّانِع وَمِنْهُم قوم يُقَال لَهُم الْيَهُود وَقد ورد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنهم يفترقون على إِحْدَى وَسبعين فرقة
وَاعْلَم أَن سَبَب تفرقهم مَا ذكره جُمْهُور الْمُفَسّرين أَن قوما من بني إِسْرَائِيل لما طَالَتْ عَلَيْهِم الْمدَّة وقست قُلُوبهم تكلفوا وَوَضَعُوا كتبا كَمَا كَانُوا يشتهونه وَكَانُوا يدعونَ أَن تِلْكَ الْكتب من عِنْد الله وَكَانُوا يَقُولُونَ إِن من خَالَفنَا فِي هَذَا قَتَلْنَاهُ ثمَّ تَفَكَّرُوا فَقَالُوا جَمِيع بني إِسْرَائِيل لَا يُمكن قَتلهمْ وَلَكِن لبني إِسْرَائِيل عَالم هُوَ حَبْرهمْ فِيمَا بَينهم كَبِير نعرض مَا وضعناه عَلَيْهِ فَإِن قبله صَار من أتباعنا وَإِن لم يقبله قَتَلْنَاهُ حَتَّى يصير جَمِيع بني إِسْرَائِيل تبعا لنا فراسلوه فَعلم الرجل مَا فِي أنفسهم فَكتب كتاب الله فِي رق رَقِيق بِخَط دَقِيق وَوضع ذَلِك فِي قرن ثمَّ تقلد ذَلِك الْقرن وَلبس فَوْقه الثِّيَاب ثمَّ جَاءَ إِلَيْهِم فعرضوا عَلَيْهِ مَا كَانَ عِنْدهم وَدعوهُ إِلَى الْإِيمَان بِهِ فَأَشَارَ إِلَى صَدره حَيْثُ كَانَ ذَلِك الْقرن وَقَالَ نعم آمَنت بِهَذَا وَمَا لي لَا أُؤْمِن بِهِ وَكَانَ لَهُ أَصْحَاب كَانُوا يراعون حَاله حَتَّى مَاتَ فوجدوا مَعَه ذَلِك الْقرن

الصفحة 150