كتاب التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين

فَقَالُوا إِنَّه إِنَّمَا قَالَ لهَذَا الْقرن آمَنت بِهِ وَاخْتلفُوا فِيهِ وَوَقع الْخلاف بِسَبَبِهِ فِي بني إِسْرَائِيل حَتَّى صَارُوا إِحْدَى وَسبعين فرقة خَيرهمْ أَصْحَاب الْقرن
وعَلى الْجُمْلَة جَمِيع الْيَهُود فِي أصل الدّين فريقان
قوم مِنْهُم يُنكرُونَ نبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقوم لَا يُنكرُونَ يَقُولُونَ أَنه كَانَ نَبيا وَلَكِن كَانَ مَبْعُوثًا إِلَى الْعَرَب دون الْعَجم وهم العيسويون يكونُونَ بأصفهان وَاعْلَم أَن جَمِيع الْيَهُود فِي أصُول التَّوْحِيد فريقان فريق مِنْهُم المشبهة وهم الأَصْل فِي التَّشْبِيه وكل من قَالَ قولا فِي دولة الْإِسْلَام بِشَيْء من التَّشْبِيه فقد نسخ على منوالهم وَأخذ مقَالَة من مقالهم الروافض وَغَيرهم وَلِهَذَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الروافض يهود هَذِه الْأمة لأَنهم أخذُوا التَّشْبِيه من الْيَهُود
الْفَرِيق الثَّانِي مِنْهُم هم الْقَدَرِيَّة يُنكرُونَ الرُّؤْيَة وَيَقُولُونَ إِن الْحَيَوَانَات يخلقون أفعالهم وَأكْثر الْأُمَم كَانَ فِيمَا بَينهم جمَاعَة من الْقَدَرِيَّة وَلِهَذَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعنت الْقَدَرِيَّة على لِسَان سبعين نَبيا والقدرية الَّذين ظَهَرُوا فِي دولة الْإِسْلَام أخذُوا طريقهم من قدرية الْيَهُود وَقد كَانَ فِي عصرنا جمَاعَة مِمَّن ينتسب إِلَى أَصْحَاب الرَّأْي ويتستر بمذهبهم وَهُوَ يضمر الْإِلْحَاد وَالْقَوْل بِالْقدرِ وَكَانَ يُرَاجع الْيَهُود ويتعلم مِنْهُم الشّبَه الَّتِي يغرون بهَا الْعَوام وكفاهم خزيا تعلمهمْ من الْيَهُود واقتداؤهم بهم وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَكْفِي الْمُسلمين شرهم
وَمِنْهُم قوم يُقَال لَهُم النَّصَارَى وَقد روينَا فِي الْخَبَر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِنَّهُم يفترقون على اثْنَتَيْنِ وَسبعين فرقة وَكَانُوا مُتَمَسِّكِينَ بدين عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام بعد مَا رفع إِلَى السَّمَاء إِحْدَى وَثَلَاثِينَ سنة وَكَانُوا يجبرون على الاسْتقَامَة إِلَى أَن وَقع بَينهم وَبَين الْيَهُود حَرْب
وَكَانَ فِي الْيَهُود رجل اسْمه بولس قتل مِنْهُم مقتلة عَظِيمَة ثمَّ قَالَ للْيَهُود إِن كَانَ قوم عِيسَى على الْحق وَنحن قد كفرنا بهم يكون علينا غبن عَظِيم فَإِنَّهُم يدْخلُونَ الْجنَّة وَنحن ندخل النَّار وَلَكِنِّي احتال حِيلَة حَتَّى أفسد عَلَيْهِم دينهم

الصفحة 151