كتاب التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين

بِحَال لِأَنَّهُمَا صفتان متناقضتان وَإِذا تقرر هَذِه الْجُمْلَة أَن صِفَات الْأَجْسَام مخلوقة ثَبت أَن الْأَجْسَام مخلوقة لِأَن مَا لَا يَخْلُو من الْحَوَادِث لَا يسْتَحق أَن يكون مُحدثا بِالْكَسْرِ وَمَا لَا يسْتَحق أَن يكون مُحدثا كَانَ مُحدثا بِالْفَتْح مثلهَا وَقد نبه الله تَعَالَى فِي كِتَابه على تَحْقِيق هَذِه الدّلَالَة وَأثْنى عَلَيْهَا وسماها حجَّة وَمن عَليّ الْخَلِيل إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام بإلهام هَذِه الدّلَالَة إِيَّاه وَجعلهَا سَببا لرفع دَرَجَته حَيْثُ قَالَ {وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيم ملكوت السَّمَاوَات وَالْأَرْض وليكون من الموقنين} إِلَى قَوْله نرفع دَرَجَات من نشَاء إِن رَبك عليم حَكِيم اسْتدلَّ بالتغير على حُدُوث الْكَوَاكِب وَالشَّمْس وَالْقَمَر ثمَّ إِن الله تَعَالَى نبه على هَذِه الطَّرِيقَة من الإستدلال والإحتجاج فَقَالَ {إِن فِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار لآيَات لأولي الْأَلْبَاب} وَقَالَ {وإلهكم إِلَه وَاحِد لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم} إِلَى قَوْله إِن فِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار والفلك الَّتِي تجْرِي فِي الْبَحْر بِمَا ينفع النَّاس وَمَا أنزل الله فِي السَّمَاء من مَاء فأحيا بِهِ الأَرْض بعد مَوتهَا وَبث فِيهَا من كل دَابَّة وتصريف الرِّيَاح والسحاب المسخر بَين السَّمَاء وَالْأَرْض لآيَات لقوم يعْقلُونَ
2 - وَأَن تعلم أَن الْمَخْلُوق لَا بُد لَهُ من خَالق لِأَن الْأَجْسَام لَو كَانَت بأنفسها مَعَ تجانس ذواتها لم تخْتَلف بِالصِّفَاتِ والأوقات وَالْأَحْوَال والمحال فَلَمَّا اخْتلفت علمنَا أَن لَهَا مُخَصّصا قدم مَا قدم وَأخر مَا أخر وَخص كل وَاحِد مِنْهَا بِمَا اخْتصَّ بِهِ من الصِّفَات لولاه لم يَقع الِاخْتِصَاص فِي شَيْء من الْأَوْصَاف لِأَن الِاخْتِصَاص بِأحد الجائزين يَقْتَضِي مُخَصّصا لولاه لم يَقع التَّخْصِيص بِهِ وَقد نبه الله تَعَالَى على أصل هَذِه الدّلَالَة بقوله أم خلقُوا من غير شَيْء أم هم الْخَالِقُونَ مَعْنَاهُ أم خلقُوا من غير خَالق كَأَنَّهُ قَالَ من غير شَيْء خلقهمْ لما تقرر من اسْتِحَالَة ثُبُوت

الصفحة 154