كتاب التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين

7 - وَأَن تعلم أَن الْقَدِيم سُبْحَانَهُ يرى وَتجوز رُؤْيَته بالأبصار لِأَن مَا لَا تصح رُؤْيَته لم يَتَقَرَّر وجوده كَالْمَعْدُومِ وكل مَا صَحَّ وجوده جَازَت رُؤْيَته كَسَائِر الموجودات وَدَلَائِل هَذِه الْمَسْأَلَة فِي كتاب الله كَثِيرَة مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {تحيتهم يَوْم يلقونه سَلام} واللقاء إِذا أطلق فِي اللُّغَة وَقع على الرُّؤْيَة خُصُوصا حَيْثُ لَا يجوز فِيهِ التلاقي بالذوات والتماس بَينهمَا وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة إِلَى رَبهَا ناظرة} وَمِنْهَا قَوْله {للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة وَلَا يرهق وُجُوههم قتر وَلَا ذلة أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجنَّة هم فِيهَا خَالدُونَ} وَلَا زِيَادَة على نعيم الْجنَّة غير رُؤْيَة الرب جلّ جَلَاله وَقد ورد عَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَفْسِير هَذِه الْآيَة بذلك وَمِنْهَا قَوْله فِي قصَّة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام {قَالَ رب أَرِنِي أنظر إِلَيْك قَالَ لن تراني} وَلَو لم تكن الرُّؤْيَة جَائِزَة لَكَانَ لَا يتمناها من هُوَ مَوْصُوف بِالنُّبُوَّةِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ فِي جَوَابه {لن تراني} وَلم يقل لن أرى وَفِيه دَلِيل على أَنه يَصح أَن يرى لِأَنَّهُ لَو كَانَ لَا يَصح رُؤْيَته لَكَانَ يَقُول لن أرى وَلما خص نفي الرُّؤْيَة بِهِ وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار وَهُوَ يدْرك الْأَبْصَار} يبين أَن جَمِيع الْأَبْصَار لَا تُدْرِكهُ مفهومة أَن بَعْضهَا يُدْرِكهُ ثمَّ يبين الله سُبْحَانَهُ من يدْرك وَمن لَا يدْرك فَقَالَ {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة إِلَى رَبهَا ناظرة} وَإِن الْوُجُوه الباسرة محجوبة عَنهُ كَمَا فرق بَين الْفَرِيقَيْنِ فِي قَوْله {يَوْم تبيض وُجُوه وَتسود وُجُوه} فالوجوه السود محجوبة عَنهُ وَالْوُجُوه الْبيض الناضرة نَا ظرة إِلَيْهِ ثمَّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خص لأَصْحَابه هَذِه الْحَالة فَقَالَ إِنَّكُم سَتَرَوْنَ ربكُم يَوْم الْقِيَامَة كَمَا ترَوْنَ الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر لَا تضَامون وَلَا تضَارونَ فِي رُؤْيَته وَفِي الحَدِيث قيد تحمل عَلَيْهِ آيَة الرُّؤْيَة فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار فِي غير الْقِيَامَة وتدركه يَوْمئِذٍ فَإِن الْمُطلق يحمل على الْمُقَيد
8 - وَإِن تعلم أَن الْخَالِق لَا يشبه الْخلق فِي شَيْء لِأَن مثل الشَّيْء مَا يكون

الصفحة 157